ومتي حصل هَذَا التعرف الْخَاص للعبد معرفة خاصة بربه توجب لَهُ الإنس به والحياء منه. وهذه معرفة خاصة غَيْر معرفة الْمُؤْمِنِين العامة. ومدار العارفين كلهم عَلَى هذه المعرفة وهَذَا التعرف وإشاراتهم تومئ إلي هذا.
سمَعَ أبو سليمان رجلاً يَقُولُ: سهرت البارحة فِي ذكر النساء. فَقَالَ: ويحك أما تستحي منه يراك ساهراً فِي ذكَر غيره؟ ولكن كيف تستحي ممن لا تعرف؟
وَقَالَ أَحَمَد بن عاصم الأنطاكي: أحب أن لا أموت حتي أعرف مولاي. ولَيْسَ معرفته الإقرار به، ولكن المعرفة الَّذِي إِذَا عرفته استحييت منه. وهذه المعرفة الخاصة والتعرف الْخَاص توجب طمأنينة الْعَبْد بربه وثقته به فِي إنجائه من كُلّ شدة وكرب وتوجب استجابة الرب دعاء عبده.
لما اختفِي الحسن البصري من الحجاج قيل لَهُ: لَوْ خرجت فإنَا نخاف أن يدل عليك. فبكي ثُمَّ قال: أخرج من مصري وأهلي وإخواني، إن معرفتي برَبِّي ونعمه عَلَى أن سينجيني منه إن شَاءَ الله تعالى. فما ضره الحجاج بشَيْء، ولَقَدْ كَانَ يكرمه بعد ذَلِكَ إكراماً شديداً.
وَقَالَ رجل لمعروف: هيجك عَلَى الانقطاع والعبادة ذكر الموت والبرزخ والْجَنَّة والنار؟ فَقَالَ معروف: أي شَيْء هَذَا إن ملكاً هَذَا كله بيده إن كانت بينك وبينه معرفة كفاك جَمِيع هذا.
وَاللهُ أَعْلم. وصلي الله عَلَى مُحَمَّد وعَلَى آله وصحبه وسلم.