أبوه: خَيْر الأمور أوسطها، الحسنة بين السيئتين، وشر السير القحقحة أن يلح فِي شدة السير حتي تَقُوم عَلَيْهِ راحلته وتعطب فيبقي منقطع به سفره، انتهي.
ويشهد لهَذَا الْحَدِيث المروي عن عَبْد اللهِ بن عمرو رَضِيَ اللهُ عنهُمَا مرفوعاً:"إن هَذَا الدين متين فأوغل فِيه برفق ولا تبغض إلي نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقي فاعمل عمل امريء يظن أنه لن يموت إلا هرماً وَاحْذَر حذر امريء يخشي أن يموت غداً" أخرجه حميد بن زنجويه وغيره.
وفِي تكرير أمره بالقصد إشارة إلي المداومة عَلَيْهِ فإن شدة السير والاجتهاد مظنة السآمة والانقطاع، والقصد أقرب إلي الدوام، ولهَذَا جعل عاقبة القصد البلوغ. قال أدلج: بلغ المنزل.
فالمُؤْمِن فِي الدُّنْيَا يسير إلي ربه حتي يبلغ إليه كما قال تعالى:(يا أيها الإنسان إنك كادح إلي ربك كدحاً فملاقيه) وَقَالَ تعالى: (واعبد ربك حتي يأتيك إليقين) ، قال الحسن: يا قوم: المداومة فإن الله لم يجعل لعمل المُؤْمِن أجلاً دون الموت ثُمَّ تلي هذه الآية.
وَقَالَ أيضاً: نفوسكم مطاياكم فأصلحوا مطاياكم تبلغكم إلي ربكم عز وجل. وإصلاح المطايا، الرفق بِهَا وتعاهدها بما يصلحها من قوتها والرفق بِهَا فِي سيرها، فإِذَا أحس بِهَا بتوقف فِي السير تعاهدها تَارة بالتشويق وتَارة بالتخويف حتي تسير.
قال بعض السَّلَف: الرجَاءَ قائد والخوف سائق، والنفس بينهما، كالدابة الحرون، فمتي فتر قائدها وقصر سائقها وقفت فتحتاج إلي الرفق بِهَا والحدو لها حتي يطيب لها السير.