للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ انْطَلَقَ فَوْراً إلى ابن رَوَاحَةَ وَمَضَيَا إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْلَنَ دُخُولَهُ فِي الإِسْلامِ وَنَدِمَ كَبِيراً عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ خَيْرٍ وَأَدْرَكَ إدْرَاكاً عَمِيقاً مَا سَبَقَهُ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ مِنْ فِقْهٍ لِدِينِ اللهِ وَحِفْظٍ لِكِتَابِ اللهِ وَعِبَادَةٍ ادَّخَرُوهَا لأَنْفُسِهِمْ عِنْدَ اللهِ.

فَعَزَمَ عَلَى أَنْ يَسْتَدْرِكَ مَا فَاتَهُ بِالْجُهْدِ الْجَاهِدِ وَأَنْ يُوَاصِلَ كَلالَ اللَّيْلِ بِكَلالِ النَّهَارِ حَتَّى يَلْحَقَ بِالرَّكْبِ فَانْصَرَفَ إِلى الْعِبَادَةِ انْصِرَافَ مُتَبَتِّل - أَيْ مُنْقَطِعٌ عَنْ الدُّنْيَا - وَأَقْبَلَ عَلَى الْعِلْمِ إِقْبَالَ الظَّمْآنِ وَأَقْبَلَ عَلَى كِتَابِ اللهِ يَحْفَظُ كَلِمَاتِهِ وَيَتَعَمَّقَ فِي فِهْمِ آيَاتِهِ.

وَلَمَّا رَأَى التِّجَارَةَ تُنَغِّصُ عَلَيْهِ لَذَّةَ الْعِبَادَةِ وَتُفَوِّتُ عَلَيْهِ مَجَالِسَ الْعِلْمِ تَرَكَهَا غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ وَلا آسِفٍ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ سَائِلٌ فَأَجَابَ لَقَدْ كُنْتَ تَاجِراً قَبْلَ عَهْدِي بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَسْلَمْتُ وَدِدْتُ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَ التِّجَارَةِ وَالْعِبَادَةِ فَلَمْ يَسْتَقِمْ لي مَا أَرَدْتَ فَتَرَكْتُ التِّجَارَةَ وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْعِبَادَةِ.

ثُمَّ الْتِفَتَ إِلى سَائِلهِ وَقَالَ: إِنِّي لا أَقُولُ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ الْبَيْعَ وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مِنَ الذِينَ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَلَمْ يَتْرُكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ التِّجَارَةَ فَحَسْبُ وَإِنَّمَا تَرَكَ الدُّنْيَا وَأَعْرَضَ عَنْ زِينَتِهَا وَزُخْرُفِهَا وَاكْتَفَى مِنْهَا بِلُقْمَةٍ خَشِنَةٍ تُقِيمُ صُلْبَهُ وَثَوْبٍ صَفِيقٍ يَسْتَرُ بِهِ جَسَدَهُ.

وَفِي يَوْمٍ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ جَمَاعَة فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ طَعَاماً سَاخِناً وَلَمْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ لُحُفاً فَلَمَّا أَرَادُوا النَّوْمَ جَعَلُوا يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرِ طَلَبِ اللَّحْفِ لَهُمْ فَقَالَ وَاحِدٌ: أَنَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ وَأُكَلِّمُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>