فَقَالَ لَهُ آخَرُ: دَعْهُ فَأَبَى حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْحُجُرَةِ فَرَآهُ قَدْ اضْطَجَعَ وَامْرَأتُه جَالِسَة قَرِيباً مِنْهُ لَيْسَ عَلَيْهَا وَلا عَلَيْهِ إِلا ثَوْبٌ خَفِيفٌ لا يَقِي مِنْ حَرٍّ وَلا يَدْفَعُ الْبَرْدَ.
فَقَالَ لأَبِي الدَّرْدَاءِ: مَا أَرَاكَ إِلا كَمَا بِتْنَا أَيْنَ مَتَاعُكُمْ؟ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَنَا دَارٌ هُنَاك نُرْسِلُ إِلَيْهَا تِبَاعاً كُلَّ مَا نَحْصُلُ عَلَيْهِ مِنْ مَتَاعٍ وَلَوْ كُنَّا اسْتَبْقَيْنَا فِي هَذِهِ الدَّارِ شَيْئاً لَبَعَثْنَا بِهِ إِلَيْكُمْ.
ثُمَّ إِنَّ فِي طَرِيقِنَا الذِي نَسْلُكُه إِلى تِلْكَ الدَّارِ عَقَبَةٌ كَؤُودٌ الْمُخِفُّ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمثقِل فَأَرَدْنَا أَنْ نُخَفِّفَ مِنْ أَثْقَالِنَا لَعَلَّنَا نَجْتَازُ، ثُمَّ قَالَ: أَفَهِمْتَ فَقَالَ: نَعَمْ فَهِمْتُ وَجُزِيتَ خَيْراً.
وَفِي خِلافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَرَادَ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنْ يَلِيَ لَهُ عَمَلاً فِي الشَّام فَأَبَى فَأَصَرَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِذَا رَضِيتَ مِنِّي أَنْ أَذْهَبَ إِلَيْهِمْ لأَعَلِّمَهُمْ كِتَابَ رَبِّهِمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ وَأُصَلِّي بِهِمْ ذَهَبْتُ.
فَرَضَى منْهُ عُمَرُ بِذَلِكَ وَمَضِىَ هُوَ إِلى دِمَشْقَ فَلَمَّا بَلَغَهَا وَجَدَ النَّاسَ قَدْ أُولِعُوا بِالتَّرَفِ وَانْغَمَسُوا فِي النَّعِيمِ فَهَالَهُ ذَلِكَ وَدَعَا النَّاسَ إِلى الْمَسْجِدِ فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فَوَقَفَ فِيهِمْ.
وَقَالَ: يَا أَهْلَ دِمَشْقَ أَنْتُمْ الإِخْوَانُ فِي الدِّينِ وَالْجِيرَانُ فِي الدَّار ِوَالأَنْصَارُ عَلَى الأَعْدَاءِ يَا أَهْلَ دِمَشْقَ مَا الذِي يَمْنَعُكم مِنْ مَوَدَّتِي وَاسْتِجَابَة لِنَصِيحَتِي وَأَنَا لا أَبْتَغِي مِنْكُمْ شَيْئاً فَنَصِيحَتِي لَكُمْ وَمَؤُنَتِي عَلَى غَيْرِكُمْ.
مَالِي أَرَى عُلَمَاءَكُمْ يَذْهَبُونَ وَجُهَّالَكُمْ لا يَتَعَلَّمُونَ وَأَرَاكُمْ قَدْ أَقْبَلْتُمْ عَلَى مَا تَكَفَّلَ اللهُ لَكُمْ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَرَكْتُمْ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مَالِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute