وحسبِكَ بما استقرت قواعده على الأبد حتَّى انتقل عن سلف إلى خلف يزداد فيهم حلاوته ويشتد فيهم جدته ويرونه نظاماً لإعصار تنقلب صروفها ويختلف مألوفها أن يكون لمن قام به برهاناً ولمن ارتاب به بياناً.
والخصلة الثانية: أن جمع بين رغبة من استمال ورهبة من استطاع حتَّى اجتمع الفريقان على نصرته وقاموا بحقوق دعوته رغباً في عاجل وآجل ورهباً من زائل ونازل، لاختلاف الشيم والطباع في الانقياد الَّذِي لا ينتظم بأحدهما ولا يستديم إلا فلذلك صار الدين بهما مستقراً والصلاح بهما مستمراً.
والخصلة الثالثة: أنه عدل فيما شرعه من الدين عن الغلو والتقصير إلة التوسط وخير الأمور أوساطها وليس لما جاوز العدل حظ من رشد ولا نصيب من سداد.
والخصلة الرابعة: أنه لم يمل بأصحابه إلى الدنيا ولا إلى رفضها وأمدهم فيها بالاعتداك، وَقَالَ:«خيركم من لم يترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه ولكن خيركم من أخذ من هذه وهذه» وهذا صحيح لأن الانقطاع على أحدهما اختلال والجمع بينهما اعتدال.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نعم المطية الدنيا فارتحلوها تبلغكم الآخرة» وإنما كان كذلك لأن منها يتزود لآخرته. ويستكثر فيها من طاعته وأنه لا يخلو تاركها من أن يكون محروماً مضاعاً أو مرحوماً مراعى وهو في الأول كل وفي مستدل.
اللَّهُمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم لقائك، اللَّهُمَّ ثبتنا على قولك الثابت وأيدنا بنصرك وارزقنا من فضلك ونجنا من عذابِكَ يوم تبعث عبادك وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.