للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعباء الثقيله، أطلب العيش في الدنيا ورجاء الظفر بالأهواء، فقد عاش سقط الناس بأيسر من ذلك ونيلت بأهون سعي ملاذ المعايش وقد ملكوها على ما يأتي بيانه فلم يلتفتوا إليها، ورغبوا عنها ولم يرغبوا فيها. وتنزهت عنها شرائف أحوالهم. وأنشد لسان حالهم:

تَجَرَّدْ عَنِ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ إِنَّمَا ... خَرَجْتَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنْتَ مُجَرَّدُ

وسادسها: إن جمعاً منهم تمكنوا من الدنيا واستولوا على ما يحب الناس منها فلم تتغير لهم طريقة، ولم تتحول لهم سجية. ملك سليمان عليه السلام ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فخدمته الطير وحشرت له، وحملته الريح على متن الهواء وسخرت له، ودانت له ملوك الإنس.

وخضعت له عفاريت الجن، وكان البساط يحمله في أرجاء الأجواء مستقراً على متن الريح الخفاقة والهواء. وكانت الطير تظلة، وكانت الأرض في يده وكانت أو امره مطاعة، والخلائق له طائعة.

ومع ذلك كان يأكل من كد يده ويتواضع على عظيم ملكه حتَّى إختار من الحرف أهضمها للنفس وأقمعها لجامع الهوى وهو الخوض أي الحصر الَّذِي يرتفع عنه أكثر السوقة ولا يرتضيه من له أدني عزة. فما تراه يريد بهذا وإلى أي شيء من الدنيا يتوصل به.

وسابعها: قوة يقينهم بمواعيد الله وتسليمهم نفوسهم لما أمر الله وإن كان في ظاهره كالجناية على النفس، والإلقاء بها إلى التهلكة كقول نوح وحده لقومه مع كثرتهم وقوتهم «ثم اقضوا إلى ولا تنظرون» ونحو ذلك قَالَ هود وَمِنْ ذَلِكَ إلقاء أم موسى له في البحر وهو طفل.

ومنه نهي رَسُولِ اللهُ لأصحابه عن حراسته بعد قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} .

وثامنها: أنها ظهرت عليهم خوارق العادات وبواهر المعجزات من غير ممارسة لشيء من علوم الطبائعيين والمرتاضين، والمتفلسفين والمنجمين والمتكهنين المصاحبين للجن والشياطين

<<  <  ج: ص:  >  >>