للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخبروا عن الغيوب ووصلوا في خرق العادات إلى مرتبة قصر عنها أهل الدراية في فنون هذه العلوم.

هذا الكليم فعل مع السحرة ما فعل حتَّى كانوا هم المقرين له والشاهدين بأن الحق معه، وهم ألوف يحص بخبرهم العلم، ويستحيل تواطؤهم على الكذب وكيف وسيف فرعون على أعناقهم مسلول، ودفع كيده بسوى الله غير مأمول. وهذا عيسى عليه السلام أحيا الموتى وأبرأ الأكمة والأبرص وهذا مُحَمَّد جاء بنوع من الإعجاز لا يتصور فيه السحر ولا تعقل فيه التعمية قرآن بلى فشيب الدهر وإعجازه جديد، وهرم شباب الزمان ورنقه إلى مزيد فأسكت به مصاقعة العرب العرباء والمفلقين من البلغاء والفصحاء والشعراء والخطباء

قد مضى الآن إحدى وثمان مائة سنة «قلت وهذا بالنظر إلى زمن صاحب الأدلة والبراهين وأما الآن فقد مضي أربعة عشر قرناً» ولم يأت له فيها معارض على أن هذه المدة الطويلة منذ هاجر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مرت على سحرة الكتابة والخطباء ونقضت عن مهرة البرعة أساة أساليب الكلام إذا أعتل وبناة أساسات البيان إذا أختل:

يَرْمُونَ بِالْخَطْبِ الطِّوَالِ وَتَارَةً ... وَحْيَ الْمَلاحِظِ خِيفَةَ الرُّقَبَاءِ

فانظر كيف تقضت السني والأعوام وتصرمت الليالي والأيام. ولم يأت أحد من هؤلاء البلغاء بمثل هذا القرآن ولا بسورة من مثله. تصديقاً لما جاء به مُحَمَّد من قوله عز سلطانه {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} أ.هـ.

اللَّهُمَّ اسلك بنا سبيل النجاة، وبلغ كلامنا ما أمله ورجاه واجعل لنا عندك أعظم قدر وجاه، ولا تحرمنا من فضلك العظيم يا أكرم الأكرمين.

(فَصْلٌ)

وَقَالَ في كتاب الأربعين في أصول الدين: واعلم أن الرسل كانت له معجزات كثيرة سوى القرآن والعلماء أو ردوا في ذكرها كتباً وضبط القول فيها أن نقول معجزاته عليه السلام قسمان حسية وعقلية. أما الحسية فثلاثة أقسام: أحدها أمور خارجة عن ذاته، وثانيها أمور في ذاته، وثالثها أمور في صفاته:

<<  <  ج: ص:  >  >>