للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فغيره. قَالَ الراوي: فوَاللهِ مَا قَالَ إِلا هَذَا فَلَمَّا خَرَجَ أعطى هارون رجلاً بدرة يعنى عشرة آلاف درهم فَقَالَ لَهُ: اتبع الشَّيْخ فَإِنَّ رأيته يَقُولُ قُلْتُ لأمير الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ لي فلا تعطه شَيْئًا وأتني به وإن رأيته لا يكلم أَحَدًا فأعطه البدرة.

فَلَمَّا خَرَجَ من القصر تبعه ولم يره يكلم أَحَدًا فَقَالَ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ خذ هَذِهِ البدرة. فَقَالَ: قل لأمير الْمُؤْمِنِينَ: يردها من حيث أخذها.

فَانْظُرْ رَحِمَكَ اللهُ كيف حفظه الله جَلَّ وَعَلا من سطوتهم ورد عَنْهُ كيدهم ببركة الإِخْلاص والتقوى لِرّبِّ الْعَالَمِينَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لابن عَبَّاس: «يَا غلام احفظ الله يحفظك» .

ولو كَانَ هَذَا من الجهلة المرائين لخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: اتفق لي مَعَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ كَذَا وَكَذَا وَقَالَ لي وقُلْتُ لَهُ يتبجح بذَلِكَ ولا يقنع بعلم الله جَلَّ وَعَلا واطلاعه. هَذَا. الله أعْلَمْ أَنَّهُ من رقم (١) فِي الزهد.

فينبغي التفطن لمثل هَذَا فإنه دَلِيل على مَا فِي الْقَلْب من الداء الدفين من الرياء وطلب الجاه والمنزلة فِي قُلُوب الخلق.

وقَدْ روى النسائي وأَبُو داود أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إن الله لا يقبل من الْعَمَل إِلا مَا كَانَ خالصًا ويبتغي به وجهه» .

فإن قُلْتُ: فما الَّذِي يميز لَنَا النِّيْة الصَّالِحَة الْخَالِصَة من النِّيْة الفاسدة وَمَا العلامة فِي ذَلِكَ والمعيار فِي صحته.

قُلْتُ: محل الاعتبار فِي ذَلِكَ أن يرى الْمُنْكَر نَفْسهُ كالمكره على هَذَا الْفِعْل وكالمتكلف لَهُ والمتجشم المشقة فيه.

ويود لو تصدى لهَذَا الْفِعْل غيره وكفاه الله به ويحب أن لا يعلم به أحد من النَّاس اكتفاء بعلم الله جَلَّ وَعَلا وتقدس واطلاعه عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>