للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُبَّمَا يَقُولُ لمن يطلعه على نيته: كنت عزمت على أن أدخل على السُّلْطَان فأَقُول لَهُ كَذَا وَكَذَا ولكن سبقني فلان ولكنه لم يتكلم كما ينبغي ولو دخلت عَلَيْهِ لقُلْتُ كَذَا وَكَذَا وفعلت كَذَا فهذه علامَاتَ على فساد النِّيْة وسوء الْقَصْد وعدم الإخلاص.

هذه نماذج وأمثلة سقناها من سيرة الْعُلَمَاء المخلصين العاملين بعلمهم الَّذِينَ لا تأخذهم فِي الله لومة لائم.

وَاللهُ أَعْلَمُ وصلَّى الله على نبينا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.

سأل المهدي الإمام مالكًا وَقَالَ لَهُ: هل لَكَ دار؟ فَقَالَ: لا. فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وَقَالَ لَهُ: اشتر لَكَ بها دار، فأخذ وأبقاها عنده.

فَلَمَّا أراد الرشيد الرحيل إلى بغداد قَالَ لمالك: ينبغي لَكَ أن تخَرَجَ معنا فإني عزمت أن أحمل النَّاس على الموطأ، كما حمل عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ النَّاس على الْقُرْآن. فَقَالَ لَهُ مالك: أما حمل النَّاس على الموطأ فلَيْسَ إلى ذَلِكَ سبيل لأن أصحاب رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - افترقوا بعده فِي الأمصار فحدثوا فعَنْدَ كُلّ أَهْل مصر علم.

وقَدْ قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اختلاف أمتي رحمة» . وأما الْخُرُوج معك فلا سبيل إليه، قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «الْمَدِينَة خَيْر لَهُمْ لو كَانُوا يعلمون» . وَقَالَ: «الْمَدِينَة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد» .

وهذه دنانيركم كما هِيَ إن شَئتم فخذوها وإن شَئتم فدعوها يعني إِنَّكَ إِنَّمَا كلفتني مفارقة الْمَدِينَة بما اصطنعته لدي من أخذ هَذِهِ الدنانير، فالآن خذها فإني لا أوثر الدُّنْيَا وَمَا فيها على مفارقة الْمَدِينَة.

هَذَا من رقم واحد فِي العفاف والزهد، لله دره هكَذَا الْعُلَمَاء العاملون المخلصون البعيدون عَنْ الشهرة والظهور والرياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>