للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وامحت معالمه وانطوت أخباره وداهن النَّاس بَعْضهُمْ بَعْضًا وجبن النَّاس عَنْ المصارحة للولات فِي المخالفات إِلا نوادر مروا خلال القرون الأولى أما نَحْنُ فصَارَت شجاعتنا وصلابتنا وإنكاراتنا حول مَا يتعلق بالدنيا، أما ما يتعلق بالدين فلَيْسَ عندنا من الإنكار إِلا التلاوم فيما بيننا إِذَا أمن بعضنا من بعض فلا حول ولا قوة إِلا بِاللهِ العلي العَظِيم.

قَالَ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ:

قُلْ لِي مَتَى سَلِمَ الرَّسُولُ وَصَحْبُهُ ... وَالتَّابِعُون لَهُمْ عَلَى الإِحْسَانِ

مِنْ جَاهِلٍ وَمُعَانِدٍ وَمُنَافِقٍ ... وَمُحَارِبٍ بِالْبَغْيِ وَالطُّغْيَانِ

وَتَظُنُّ أَنَّكَ وَارِثًا لَهُمْ وَمَا ... نِلْتَ الأَذَى فِي نُصْرَةِ الرَّحْمَنِ

كَلا وَلا جَاهَدْتَ حَقَّ جِهَادِهِ ... فِي اللهِ لا بِيَدٍ وَلا بِلِسَانِ

مَنَّتْكَ وَاللهِ الْمَحَالَ النَّفْسُ فَاسْـ ... ـتَحْدِثْ سِوَى ذَا الرَّأْيِ وَالْحُسْبَانِ

لَوْ كُنْتَ وَارِثَهُ لآذَاكَ الأَوْلَى ... وَرَثُوا عِدَاهُ بِسَائِرِ الأَلْوَانِ

وقَدْ قيل: إن المنكرات أشبه بجراثيم الأمراض فِي تنقلها وانتشارها، والتأثر بها بإذن الله فَإِنَّ وجدت كفاحًا يحجر عَلَيْهَا فِي مكانها حَتَّى يقتلها ويبيدها سلم مَنْهَا موضعها، وسلم مَنْهَا مَا وراءه، وَإِذَا لم تجد كفاحًا وتركت وشأنها اتسعت دائرتها، وتفشت فِي جميع الأرجَاءَ وقضت على عناصر الحياة وعرضها للفناء والدمار.

ومن هنا كَانَ أثر المنكرات غير خاص بمرتكبيها، وكَانَ الساكتون عَلَيْهَا عاملين على نشرها وإذعانها، وبهَذَا الموقف السلبي يكونون أهلاً لحلول العقاب بِهُمْ وإصابتهم بما يصاب به المباشرون لها.

ومِمَّا يدل على هَذَا قوله تَعَالَى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} وَقَالَ الشَّيْخ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّد بن حميد فِي آخر رسالة لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>