للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" فَصْلٌ "

قَالَ بَعْض الحكماء: عداوة العاقل أقل ضررًا من مودة الأحمق لأن الأحمق ربما ضر وَهُوَ يقدر أن ينفع لعدم تمييزه بين النفع والضر فيتجاوز الحد، والعاقل لا يتجاوز الحد فِي مضرته فمضرته لها حد يقف عَلَيْهِ العقل إِذَا انتهى إلى ذَلِكَ الحد.

ومضرة الجاهل لَيْسَتْ بذات حد والمحدود أقل ضررًا مِمَّا هُوَ غير محدود قَالَ بَعْضُهُمْ:

شِعْرًا: ... وَلأَنْ يُعَادِي عَاقِلاً خَيْرٌ لَهُ ... مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدِيقٌ أَحْمَقُ

فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ أَنْ تُصَادِقَ جَاهِلاً ... إِنَّ الصَّدِيقَ عَلَى الصَّدِيقِ مُصَدِّقُ

وقَالَ بَعْض الأدباء من أشار عَلَيْكَ بمصاحبة جاهل لم يخل من أمرين إما أن يكون صديقًا جاهلاً، ما يعرف ولا يميز بَيْنَ مَنْ يَصْلُحُ لِلصُّحْبَةِ وَمَنْ لا يَصْلُحُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُ هَذَا الْمُشِيرُ عَلَيْكَ عَدُوًّا لَكِنَّهُ عَاقِلٌ لأَنَّهُ يُشِيرُ بِمَا يَضُرُكَ وَيَحْتَالُ عَلَيْكَ بِالأَشْيَاءِ الَّتِي تَضُرُكَ، وَقَدِيمًا قِيْل:

وَلا تَصْحَب الحمقى فذو الجهل أن يروا ... صلاحًا لأمرٍ يَا أَخَا الْحَزْمِ مُفْسِد

ويقول الآخر:

فعداوة مِنْ عَاقِلٍ مُتَجَمِّلٍ ... أَوْلَى وَأَسْلَم مِنْ صَدَاقَةِ أَحْمَقِ

وقَالَ بَعْضهمْ: الأَصْدِقَاءُ ثَلاثَةٌ أَحَدُهُمْ كَالْغِذَاءِ لا بُدَّ مِنْهُ، وَالثَّانِي كَالدَّوَاءِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَالثَّالِثُ كَالدَّاءِ لا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ قَط. وقَدْ قِيْلَ: مِثْل جُمْلَةِ النَّاسِ كَمِثْل الشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ فَمِنْهَا مَا لَهُ ظِلّ ولَيْسَ لَهُ ثمر وَهُوَ مثل الَّذِي ينتفع به فِي الدُّنْيَا دون الآخِرَة، فَإِنَّ نفع الدُّنْيَا كالظِلّ السريع الزَوَال، ومنها ما لَهُ ثمر ولَيْسَ لَهُ ظِلّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>