ومنها ما لَيْسَ لَهُ واحد منهما كأم غيلان تمزق الثياب ولا طعم فيها ولا شراب ومثله من الْحَيَوَان الحية والعقرب والفأر ومثله فِي النَّبَات الخنيز فإنه يضيق على الزرع ويضر من لمسه ولا يؤكل ولا لَهُ تمر يؤكل.
وَيَشْرَبُ مَاءَ الزَّرع وَيَعُوقُ نُمُوَّهُ ... إِذَا فَلا بُدَّ مِنْ الإِخْتِيَار قَبْلَ الْمُعَامَلَة
شِعْرًا: ... لا تَشْكُرَنَّ فَتىً حَتَّى تُعَامِلَهُ ... وَتَسْتَبِينَ مِن الْحَالَينِ إِنْصَافَا
فَقَدْ تَرَى رَجُلاً بَادِي الصَّلاحِ فَإِنْ ... عَامَلْتَهُ فِي حَقِيرٍ غَشَّ أَوْ حَافَا
آخر: ... النَّاسُ شَتَّى إِذَا مَا أَنْتَ ذُقْتَهُمُ ... لا يَسْتَوُونَ كَمَا لا تَسْتَوِي الشَّجَرُ
هَذَا لَهُ ثَمَرٌ حُلْوٌ مَذَاقَتُهُ ... وَذَاكَ لَيْسَ لَهُ طَعْمٌ وَلا ثَمَرُ
إذا فهمت تفاوت النَّاس فِي العقل والدين فعَلَيْكَ قبل الصداقة أن تفحص عَنْ من تريد صداقته وإخاءه فإذا حصلت على من ترضاه دينًا وعقلاً وأدبًا فألزمه، كما قِيْل:
أَبْلِ الرِّجَالَ إِذَا أَرَدْتَ إِخَاءَهُمْ ... وَتَوَسَّمَنَّ أُمُورَهُمْ وَتَفَقَّدِ
فَإِذَا ظَفَرْتَ بِذِي الأَمَانَةِ وَالتُّقَى ... فِبهِ الْيَدَيْنِ قَرِيرَ عَيْنٍ فَاشْدُدِ
آخر: ... لا تَمْدَحَنَّ امْرأً حَتَّى تُجَرِّبَهُ ... وَلا تَذُمَنَّهُ مِنْ غَيْرِ تَجْرِيبِ
فَإِنَّ حَمْدَكَ مَنْ لَمْ تَبْلُهُ سَرَفٌ ... وَإِنَّ ذَمَّكَ بَعْدَ الْحَمْدِ تَكْذِيبُ
آخر: ... جَامِلْ أَخَاكَ إِذَا اسْتَربْتَ بِوِدِّهِ ... وَانْظُرْ بِهِ عُقْبَى الزَّمَانِ يُعَاوِدُ
فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْفَسَادِ فَخَلَّهِ ... فَالْعُضْوُ يُقْطَعُ لِلْفَسَادِ الزَّائِدِ
وقَالَ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ: ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة، ويجعل النَّاس فيها أربعة أقسام: متى خلط أحد الأقسام بالآخِر ولم يميز بينهما دخل عَلَيْهِ الشَّر.
أحدهما: من مخالطته كالغذاء لا يستغنى عَنْهُ فِي الْيَوْم فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة، ثُمَّ إِذَا احتاج إليه خالطه هكَذَا على الدوام. وَهَذَا الضرب أعز من