القسم الثاني: من مخالطته كالدواء، يحتاج إليه عَنْدَ المرض فما دمت صحيحًا فلا حَاجَة لَكَ فِي خلطته، وهم من لا يستغنى عَنْ مخالطتهم فِي مصلحة المعاش، وقيام ما أَنْتَ محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات والاستشارة والعلاج للأدواء ونحوها فإذا قضت حاجتك من مخالطة هَذَا الضرب بقيت مخالطتهم من القسم الثالث: وهم من مخالطتهم كالداء على اختلاف مراتبه وأنواعه وقوته وضعفه.
فمِنْهُمْ من مخالطته كالداء العضال، والمرض المزمن، وَهُوَ من لا تربح عَلَيْهِ فِي دين ولا دنيا، ومَعَ ذَلِكَ فَلا بُدَّ مِنْ أن تخسر عَلَيْهِ الدين والدُّنْيَا أَوْ أحدهما، فهَذَا إِذَا تمكنت منك مخالطته واتصلت، فهي مرض الموت المخوف.
وَمِنْهُمْ من مخالطته كوجع الضرس يشتد ضربه عليك فإذا فارقك سكن الألم.
وَمِنْهُمْ من مخالطته حمى الروح، وَهُوَ الثقِيْل البغيض، الَّذِي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك ولا يعرف نَفْسهُ فيضعها منزلتها، بل إن تكلم فكلامه كالعصى تنزل على قُلُوب السامعين، مَعَ إعجابه بكلامه وفرحه به.
فهو يحدث من فيه كُلَّما تحدث، ويظن أنه مسك يطيب به المجلس، وإن سكت فأثقل من نصف الرحا العظيمة التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأَرْض ويذكر عَنْ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللهُ أنه قَالَ: ما جلس إِلَى جانبي ثقِيْل إِلا وجدت الجانب الَّذِي يليه أنزل من الجانب الآخِر.