ورأس القسم الأول، الفكر فِي آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به، وبأسمائه وصفاته من كتابه وسُنَّة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وما والاهما، وَهَذَا الفكر يثمر لصاحبه المحبة، والمعرفة، فإذا فكر فِي الآخِرَة وشرفها ودوامها وفي الدُّنْيَا وخستها وفنائها أثمر لَهُ ذَلِكَ الرغبة فِي الآخِرَة والزهد فِي الدُّنْيَا.
وكُلَّما فكر فِي قصر الأمل، وضيق الوَقْت، أورثه ذَلِكَ الجد والاجتهاد، وبذل الوسع فِي اغتنام الوقت.
وهذه الأفكار تعلي همته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والناس في واد.
قَالَ بعضهم:
فَكَّرْتُ فِي الْجَنَّةِ الْعُلْيَا فَلَمْ أَرَهَا ... تَنَالَ إِلا عَلَى جَسْرٍ مِن التَّعَبِ
آخر: ... إِنَّ امْرَأً بَاعَ أُخْرَاهُ بِفَاحِشَةٍ ... مِن الْفَوَاحِشَ يَأْتِيهَا لِمَغْبُونُ
وَمَنْ تَشَاغَلَ بِالدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا ... عَنْ جَنَّةِ مَا لَهَا مِثْلٌ لِمَفْتُونُ
وَكُلُّ مَنْ يَدَّعِي عَقْلاً وَهِمَّتُهُ ... فِيمَا يُبْعَدُ عَنْ مَوْلاهُ مَجْنُونُ
آخر: ... يَا مَنْ يُعَانِقُ دُنْيًا لا بَقَاءَ لَهَا ... يُمْسِي وَيُصْبِحُ فِي دُنْيَاهُ سَفَّارَا
هَلا تَرَكْتَ لَدَى الدُّنْيَا مُعَانَقَةً ... حَتَّى تُعَانِقَ فِي الْفِرْدَوْسِ أَبْكَارَا
إِنْ كُنْتَ تَبْغِي جِنَانَ الْخُلْدِ تَسْكُنُهَا ... فَاطْلُب رِضَى خَالِق الْجَنَّاتِ وَالنَّارَا
وبإزاء هَذِهِ الأفكار الرديئة التي تجول فِي قُلُوب أكثر هَذَا الخلق كالفكر فيما يكلف الفكر فيه، ولا أعطى الإحاطة به من فضول العلم الَّذِي لا ينفع، كالفكر فِي كيفية ذات الله وصفاته مِمَّا لا سبيل للعقول إِلَى إدراكه به.
ومنها الفكر فِي الصناعات الدقيقة التي لا تنفع بل تضر، كالفكر فِي الشطرنج والموسيقى وأنواع الأشكال، والتصاوير. قُلْتُ: وكل أنواع الملاهي.
ومنها الفكر فِي العلوم التي لو كَانَتْ صحيحة لم يعطي الفكر فيها النفس كمالاً ولا شرفًا كالفكر فِي دقائق المنطق، والعلم الرياضي، والطبيعي، وأكثر