قال أبو البقاء: عادة الفقهاء المولعين بالتدقيق، يوردون على هذا الحديث وأمثاله إشكالاً وهو أن (مَنْ) مبتدأ يحتاج إلى خبر وخبره (فهو حرّ) و (هو) لا يعود على (مَنْ) بل على المملوك، فتبقى (مَنْ) لا عائد عليها.
وهذا عند المحققين من النحويين ليس بشيء، وذلك أنّ خبر (مَنْ) هو (مَلَك)، وفي (مَلَك) ضمير يعود على (مَنْ)، وقوله:(فهو حرّ) جواب الشرط، وجواب الشرط يجوز أن يخلو من عائد على أداة الشرط، أو على الاسم الذي في حيز الشرط، مثاله: من يأتني أكرم زيدًا، وكذلك قوله: زيد إنْ يقمْ أكرمْ. فزيد هنا بمنزلة (مَنْ) في مثاله الأول.
وأما حاجة الكلام إلى جواب الشرط فليس كحاجة المبتدأ إلى الخبر، بل هي حاجة ماله جواب إلى جواب، ألا ترى أن قولك: لولا زيد لأكرمتك، فلولا مفتقرة إلى جوبا، وجوابها ليس بخبر لاسمها. وقد قيل: تقدير الحديث: من مَلَك ذا رحم فهو حر بملكه. فحذف للعلم به. انتهى.
٤٠٤ - حديث:"من حدّث عني بحديث وهو يرى أنّه كذبٌ فهو أحد الكاذبين".
قال الشيخ أكمل الدين:(يرى) يجوز فيه فتح الياء وضمّها، ومعنى المضموم الظنّ، ومعنى المفتوح العلم. وقوله:(أنه كذب) سدّ مسدّ المفعولين.
وقيل: المضموم يستعمل هنا بمعنى الوهم والتخييل نحو: أرى أنّ زيدًا منطلق، ومثل هذا المعنى: أزيد هنا. وفيه نظر، لأنه لا يجوز لأحد أن يدّعي الرؤية بمجرد الوهم والتخييل، فالحق أن يكون مفتوحًا بمعنى العلم.