أو في المنظر وجهان: أحدهما أن يريد المكان المنظور إليه، لأن المنظر يكون المكان ويكون مصدر نظر، كقوله:
نظرت فلم تنظر بعينك منظرا
أي نظرًا ينفعك.
والوجه الثاني: أن يريد بالمنظر الشيء المنظور إليه، فيكون من المصادر الموضوعة موضع المفعولات كقولهم: درهم ضرب الأمير، وثوب نسج اليمن، أما قوله: فرأيت أكثر أهلها النساء، قد تنازع في معناه قديمًا، ذهب قوم إلى أن الرؤية ههنا رؤية علم، واحتجّوا بأنها قد تعدّت إلى مفعولين، ورؤية العين إنما تتعدى إلى مفعول واحد. وأنكر ذلك أهل السنة، وقالوا إنما هي رؤية عين، قالوا: وسياق الكلام على ذلك، لأنه قال: ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا، فعدّى الرؤية إلى مفعول واحد، وكان ذلك في صلاة الكسوف، وفي الحديث عندنا ثلاثة أوجه: أحدها أن تكون الرؤية لمعنى الظن، وذلك لائق بمعنى هذا الحديث جدًا، كأنه قال: أبصرت فظننت أكثر أهلها النساء لكثرة من رأيت فيها منهنّ، والعرب تستعمل الرؤية بمعنى الظن وبمعنى العلم، والثانية علمية كأنه قال: إنهم يظنونه بعيدًا ونعلمه قريبًا، قال تعالى:(إنهم يرونه بعيدًا ونراه قريبًا)[المعارج: ٦، ٧]. فالرؤية الأولى هي رؤية العين، كما ظن من أنكر ذلك من أصحابنا، ويكون المعنى أنه لما رأى النار بعينه، علم حينئذ وتحقق أن أكثر أهلها النساء، وهذا كالرجل تقع عينه على الشيء، فيكون بذلك سببًا لأن يعلم حقيقته، فهذا تأويل صحيح "بعيد" عما توهمه من ظنّ أنه إذا جعلها رؤية علم فقد وافق المعتزلة. والوجه الثالث: أن تكون رؤية عين ويجعلها، أي يجعل النساء بدلاً من أكثر، فيكون بمنزلة قول القائل: رأيت الرجل زيدًا، لأن البدل يحتاج المبدل منه، كاحتياج أحد المفعولين في باب العلم أي المفعول الثاني كأنه قال: فرأيت