والفرق بين الحديث المشهور والحديث المتواتر في عدد الطبقة الأولى من الرواة، فهو في المتواتر جمع من جموع التواتر، وفي المشهور واحد أو اثنان أو جمع لم يبلغ حد التواتر.
ويترتب على هذا الفرق اختلاف بين الفقهاء وعلماء الأصول في الأحكام، فالجمهور يعتبر الحديث المشهور في حكم حديث الآحاد، ويأخذ أحكامه، أما الحنفية فيرون الحديث المشهور له مرتبة مستقلة بين الحديث المتواتر وخبر الآحاد، وأنه يشترك مع المتواتر في تخصيص عام القرآن، والزيادة عليه، وأنه يقيد مطلقه، ويفيد الطمأنينة والظن القريب من اليقين، ويفسق جاحده ولا يكفر؛ لأنه مقطوع بوروده عن الصحابي، ولا يقطع بوروده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١)، وهذا القسم غير مجموع بمفرده، وغير متفق على عدده.
ثالثًا: حديث الآحاد: وهو ما رواه عن رسول الله شخص أو اثنان أو عدد لم يبلغ حد التواتر، ثم رواه عن هؤلاء مثلهم وهكذا حتى وصل الحديث إلى عصر التدوين فاشتهر، ويمثل هذا القسم الغالبية العظمى من السنة، ويسمى خبر الآحاد.
وخبر الآحاد يفيد غالبية الظن من حيث وروده عن رسول الله متى توافرت فيه شروط الراوي التي وضعها علماء الحديث كالثقة والعدالة والضبط، وغير ذلك، ولكنه يجب العمل به مع الشك في ثبوته، وهو ما سنفرده بالبحث.
(١) ذهب أبو بكر الجصاص الحنفي إلى أن المشهور كالمتواتر تمامًا، وذهب عيسى بن أبان إلى أنه يوجب علم طمأنينة لا علم يقين، وهو ما اختاره متأخرو الحنفية، انظر كشف الأسرار: ٢ ص ٢٨٨، وذهب عيسى بن أبان إلى اشتراط عدم مخالفته للقياس، وتابعه بقية الحنفية، وهو خلاف ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة، انظر: أصول الفقه الإِسلامي، شعبان: ص ٧.