التقليد والاتباع مقابلان للاجتهاد، وسبق الكلام على الاجتهاد والمجتهد، وشروط الاجتهاد والمجتهد، وهنا يأتي الكلام على التقليد والاتباع.
ذلك أن اللَّه تعالى خلق الناس على مستويات مختلفة، وجعل الحياة تقوم على أعمال متنوعة، ولا بدَّ لكل عمل من وجود طائفة من الناس تقوم به، فيتوزع الناس حسب الأعمال الكثيرة في الحياة، كل لما خلق له، ليتم التعاون والتكافل فيما بينهم.
ومن الناس من يتجه إلى العلوم عامة، والعلم الشرعي خاصة، ولكن لا يملك كل من طلب العلم القدرة إلى الوصول إلى الكمال ودرجة الاجتهاد، وينفرد نفر من الأمة في كل عصر بالوصول إلى الذروة، ليتبوأ القمة، ويبلغ درجة الاجتهاد، ويبقى معظم المتعلمين في الدرجات الأخرى، كما يبقى جماهير الناس من المتعلمين لسائر العلوم، ولأسباب المهن والحرف، ومن غير المتعلمين، يتبعون كبار العلماء الأفذاد، والمجتهدين في الشريعة، لمعرفة الأحكام الشرعية، وسؤالهم عنها، والرجوع إليهم عند كل نازلة، أو طارئة، أو قضية، أو خلاف، أو استفتاء (١).
والمجتهدون في كل عصر قلة، وتبقى الأكثرية في مجال التقليد أو الاتباع، وهذا يقتضي البحث عن حال المقلدين والأتباع، وهو محل هذا الفصل الذي نعرضه في عدة مباحث.
(١) انظر بحثًا لطيفًا بعنوان "وجوب النظر وذم التقليد" في كتاب الفصول للجصاص الرازي (٤/ ٣٦٩) وما بعدها، والمراد بذم التقليد ممن تتوفر فيه شروط الاجتهاد، أما غير المجتهد فيجب عليه التقليد والاتباع كما سيأتي. =