إن طريق العامي، وغير المتاهل للاجتهاد، لمعرفة الأحكام الشرعية هو التقليد، وعليه أن يسأل أهل العلم عما يحتاج إلى معرفته من أحكام شرعية.
وبعد استقرار المذاهب الأربعة بين الناس، وقيام أتباع المذاهب ببيان الأحكام الشرعية حسب مذهب كل منهم، فهل يجب على الإنسان الالتزام بمذهب فقهي معين؟
يكاد أن يتفق العلماء على أن المستفتي إذا سأل عن مسألة وعرف حكمها وعمل به، فليس له أن يرجع عنه، ليأخذ بغيره في نفس الواقعة؛ لما فيه من استقرار التعامل، وحسم باب النزاع في معاملات الناس، فإن لم يعمل به جاز له الرجوع.
وإذا عمل الشخص بواقعة بمذهب إمام، ومفت معين، فلا يلزمه الالتزام به أو بمذهبه، ويجوز له أن يسأل غيره، وبالتالي يعمل في الواقعة الأخرى من مذهب آخر؛ ولا يلزمه الاستمرار على مذهب معين، ويجوز له الانتقال منه إلى مذهب آخر، لأن اللَّه تعالى أوجب الالتزام بقول اللَّه تعالى وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يوجب التزام قول آخر، ولا واجب إلا ما أوجبه اللَّه ورسوله، ولم يوجب اللَّه والرسول التزام مذهب معين، وليس التزام مذهب نذرًا حتى يجب الوفاء به، وكل ما أوجبه اللَّه تعالى أنه طلب سؤال أهل العلم والاختصاص، فقال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل: ٤٣]، ولأن المستفتين المقلدين في عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم لم يلتزموا بمذهب معين، أو إمام معين، أو عالم معين، بل يسألون من يتهيأ لهم دون تقييد بواحد دون آخر، ولأن الالتزام بمذهب دون غيره يؤدي إلى الحرج والمشقة، وإن تعدد العلماء والمختصين نعمة وفضيلة