للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١ - النسخ]

إذا ورد نصّان متعارضان، بحث المجتهد أولًا عن تاريخ النصين، فإذا علم تقدم أحدهما وتأخر الثاني، حكم بأن المتأخر ينسخ المتقدم، مع التذكير بشرط التعارض، وهو أن يكون النصّان متساويين في القوة كآيتين، أو آية وسنة متواترة (أو مشهورة عند الحنفية)، أو خبرين من أخبار الآحاد.

مثاله: الآيتان السابقتان في عدة الوفاة وعدة الحامل، ففي الأولى قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤]، فتدل بعمومها "أزواجًا" أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، سواء كانت حاملًا، أو غير حامل، وفي الثانية قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤]، وتدل أيضًا أن المرأة الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل، سواء كانت متوفى عنها زوجها، أو مطلقة، فحصل التعارض بين الآيتين في الحامل المتوفى عنها زوجها.

وثبت عن ابن مسعود رضي اللَّه عنه أن الآية الثانية متأخرة عن الأولى (١)، فتكون ناسخة في القدر الذي حصل فيه التعارض، فتصبح عدة المتوفى عنها زوجها منتهية بوضع الحمل (٢).

[٢ - الترجيح]

إذا تعارض النصان، ولم يعلم المجتهد تاريخهما، رجح أحدهما على الآخر، إن أمكن، بأحد طرق الترجيح التي ستأتي، كترجيح المحكم على


(١) قال ابن مسعود رضي اللَّه عنه: "من شاء باهلته أن سورة النساء الصغرى (الطلاق) نزلت بعد سورة النساء الكبرى (البقرة) "، وفي رواية: "من شاء لاعنته لأنزلت سورة النساء الصغرى بعد الأربعة أشهر وعشرًا" (صحيح البخاري ٤/ ١٦٤٦، ١٨٦٥، ٥/ ٢٠٣٦، سنن أبي داود ١/ ٥٣٩، وانظر: نصب الراية ٣/ ٢٥٦).
(٢) اتفق الفقهاء في المذاهب الأربعة على عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، ولكن الحنفية اعتمدوا على النسخ، وقال الجمهور: بأن الآية الثانية خصصت الأولى، وبقي الاختلاف اصطلاحيًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>