للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣)} [الزخرف: ٢٣]، وقال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١]، وجعل اللَّه تعالى المقلدين الذين يتركون النظر في الكون والحياة لبناء العقيدة بمنزلة الأنعام، وبمنزلة الصم البكم، فقال تعالى: {إِنْ هُمْ إلا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٤]، وقال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١]، فإنهم لما أعرضوا عن النظر في الدلائل، وصيّروا أنفسهم بمنزلة من ليس في وسعه ذلك، مثل البهيمة، ومثل من لم يسمع ما خوطب به (١).

وندَّد القرآن الكريم بمنطق المشركين المقلدين، فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٧٠)} [البقرة: ١٧٠]، وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (١٠٤)} [المائدة: ١٠٤].

ومن هذا المنطلق صرح الأئمة بعدم تقليدهم، وأمروا أصحابهم المجتهدين بالنظر والبحث والاعتماد على الأدلة، وليس على مجرد التقليد، كما سنبين في الفقرة التالية في التقليد المذموم أو المحرم.

[أقسام التقليد]

وينتج عن التفصيل السابق عند الجمهور أن التقليد قسمان: مذموم، ومحمود.

[١ - التقليد المحمود]

يعتبر التقليد محمودًا في الفروع، وذلك لصنفين:

الصنف الأول: تقليد العاجز عن الاجتهاد، ممن لا تتوفر فيه شروطه، فإنه لا يقدر على التوصل إلى الحكم الشرعي بنفسه، ولم يبق أمامه إلا اتباع من يرشده إلى الحق من أهل النظر والاجتهاد إلى ما يجب عليه من التكاليف.


(١) الفصول (٣/ ٣٧٩)، شرح الكوكب المنير (٤/ ٥٣٦، ٥٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>