ذكر العلماء عدة آداب للفتوى، بعضها في أدب المفتي، وبعضها في إصدار الفتوى، وبعضها في أدب المستفتي، وبعض هذه الآداب تصل إلى درجة الوجوب أو التحريم.
قال النووي رحمه اللَّه تعالى: "إن الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل؛ لأن المفتي وارث الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم، وقائم بفرض الكفاية، لكنه معرض للخطأ، ولهذا قالوا: المفتي موقِّع عن اللَّه تعالى، وقال ابن المُنْكَدر: العالم بين اللَّه وخلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم، وتوقف كثير من السلف وفضلاء الخلف عن الفتيا في أشياء كثيرة، فقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركت عشرين ومئة من الأنصار من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول، وفي رواية: ما منهم من يحدّث يحديث إلا وَدَّ أن أخاه كفاه إياه، ولا يستفتى عن شيء إلا ودَّ أن أخاه كفاه الفتيا، وعن ابن عباس وابن مسعود رضي اللَّه عنهم: من أفتى عن كل ما يسأل، فهو مجنون، وقال الشعبي والحسن وأبو الحَصين من التابعين: إن أحدكم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه لجمع لها أهل بدر، وعن ابن عباس ومحمد بن عجلان: إذا غفل العالم لا أدري، أصيبت مقاتله، وعن سفيان بن عيينة وسحنون: أجسر الناس على الفتيا أقلهم علمًا، وسئل الشافعي عن مسألة فلم يجب، فقيل له، فقال: حتى أدري أنَّ الفضل في السكوت أو في الجواب، وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يكثره أن يقول: لا أدري، وسئل مالك عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في ثنتين وثلاثين منها: لا أدري، وكان يقول: من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه، ثم يجيب، وسئل عن مسألة، فقال: لا أدري، فقيل: هي مسألة خفيفة سهلة، فغضب، وقال: ليس في العلم شيء خفيف، وقال الشافعي: ما رأيت أحدًا جمع اللَّه تعالى