للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العظيم المعَدَّ له، اقتصرت الآية على ذلك في مقام البيان لعقوبته، وأن ذلك يفيد الحصر، فيلزم منه أنه لا عقوبة على القاتل العامد في الدنيا.

واتفق العلماء على أن الحكم الثابت بالعبارة من الآية الأولى، وهو القصاص من القاتل عمدًا، مقدّم على الحكم الثابت بالإشارة من الآية الثانية، ويعاقب القاتل عمدًا عدوانًا في الدنيا بالقصاص منه.

ومن أمثلة التعارض بين العبارة والإشارة ما دلت عليه آية الرضاعة في قوله سبحانه: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣]، فهذه الآية دلت بالإشارة أن الأب مقدم في استحقاقه النفقة من مال ابنه على من سواه ممن لهم حق النفقة من الأقارب بما في ذلك الأم في حالة قدرة الابن على نفقة واحد فقط، في قدم الأب على الأم، لكن ثبت أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: مَنْ أحقُّ الناس بحُسْن صَحابتي يا رسولَ اللَّه؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أمُّك" وكررها ثلاثًا، ثم قال: "أبوك" (١)، فهذا النص يدل بالعبارة على تقديم الأم على الأب بالنفقة، والثابت بعبارة النص أقوى، ويقدم على الثابت بإشارة النص، فتكون الأم أولى من الأب في النفقة (٢).

٣ - دلالة النَّص:

هي دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه لاشتراكهما في علة الحكم التي يمكن فهمها عن طريق اللغة.

فإذا كان اللفظ يدل بعبارته على حكم في واقعة لعلة بُني عليها هذا الحكم، ثم وُجدت واقعة أخرى تساوي الواقعة الأولى بعلتها التي تتبادر إلى الفهم بمجرد فهم اللغة من غير حاجة إلى الاجتهاد، فإنه يفهم لغة أن اللفظ يتناول الواقعتين، سواء كانت الواقعة الثانية المسكوت عنها مساوية للأولى المنطوق بها في العلة، أو أولى منها لقوة العلة فيها (٣).


(١) هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من طريق أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٢) تفسير النصوص (١/ ٥٠١)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٥٨).
(٣) أصول السرخسي (١/ ٢٤١)، كشف الأسرار (١/ ٧٣)، علم أصول الفقه ص ١٤٨، =

<<  <  ج: ص:  >  >>