للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشكل واضح في منتصف القرن الثاني الهجري، كما سبق، ثم ظهر التقليد للمذهب بمعناه الكامل في أوائل القرن الرابع الهجري، واستمر إلى اليوم.

قال الشوكاني رحمه اللَّه تعالى: "إن التقليد (للمذهب) لم يحدث إلا بعد انقراض خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وإن حدوث التمذهب بمذاهب الأئمة الأربعة، إنما كان بعد انقراض عصر الأئمة الأربعة، وإنهم كانوا على نمط مَنْ تقدمهم من السلف في هجر التقليد، وعدم الاعتداد به، وإن هذه المذاهب إنما أحدئها عوام المقلدة لأنفسهم من دون أن يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين" (١).

[تقليد المجتهد الميت]

اختلف العلماء في اشتراط حياة المجتهد الذي يجوز تقليده، على أربعة أقوال:

أحدها: المنع مطلقًا؛ لأن الميت ليس من أهل الاجتهاد، كالفسق بعد العدالة، أو لأن الحياة هي الأصل فزالت، وزال وصفها بالاجتهاد، أو لاحتمال عدوله عن اجتهاده لو كان حيًّا وجدَّد اجتهاده.

الثاني: الجواز بشرط فقد الحي، فليس للعامي تقليد الميت إن وجد مجتهدًا حيًّا؛ لأن الحي أفضل من الميت، وأعرف بالوقائع والقضايا والفتاوى، فإن لم يوجد المجتهد الحي جاز تقليد الميت.

الثالث: التفصيل: وهو جواز تقليد الميت إذا كان دليله نقليًّا، وكان الناقل لرأي الميت مجتهدًا وأهلًا للمناظرة، فإن كان رأي المجتهد الميت قياسيًا، فلا يجوز؛ لاحتمال تغير القياس والاجتهاد فيه.

الرابع: الجواز مطلقًا، وهو الصحيح ورأي جمهور العلماء، وفيه قال الشافعي رحمه اللَّه تعالى: "المذاهب لا تموت بموت أربابها، ولا بفقد أصحابها"، واعتبره بعضهم إجماعًا، وذلك قياسًا على الشهادة التي يؤديها الشاهد عند الحاكم، ثم يموت، فإن شهادته لا تبطل، وقياسًا على حكم الحاكم فإنه لا


(١) القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد، له ص ١٠٨، وانظر: إرشاد الفحول، له ص ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>