للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك قوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٦]، وقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٤١]، والمعروف يحتاج إلى اجتهاد وتقدير، وقال تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} [الأحزاب: ٤٩]، ولا يعرف مقدار المتعة إلا بالاجتهاد وغالب الظن؛ لاختلاف أحوال الناس في اليسار والإعسار، وقال تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤]، ومن غاب عن الكعبة فلا تصح صلاته بالتوجه إليها إلا عن طريق الاجتهاد وغالب الظن، وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: ٢٢٠]، وإصلاح مال اليتيم إنما يكون بتحري الاحتياط في تمييزه وحفظه وإحرازه، ويكون ذلك بغالب الظن، ومعظم آيات الأحكام تحتاج إلى النظر والاجتهاد وإعمال الفكر والذهن لمعرفة مرادها بغالب الظن، وهذا هو الاجتهاد وما يدخل فيه (١).

ثانيًا: السنة:

وردت أحاديث كثيرة جدًّا تنص صراحة على الاجتهاد، وأحاديث أخرى قولية وفعلية تدل على الاجتهاد صراحة أو إشارة، فمن ذلك:

١ - قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: "إذَا حكمَ الحاكمُ فاجْتَهَدَ ثم أصابَ فلهُ أجْران، وإذا حَكَم فاجتهد، ثم أخطأ فله أجرٌ" (٢)، فالحديث صريح في تجويز الاجتهاد والدعوة إليه والترغيب فيه، قال النووي رحمه اللَّه تعالى: "قال العلماء: أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالمٍ أهل للحكم" (٣).

٢ - قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: "كيف تَصْنَعُ إنْ عَرَضَ لكَ قضاءٌ؟ "، قال: أقضي بكتاب اللَّه، قال: "فإنْ لم يكُنْ في كتابِ اللَّه؟ " قال: فبسنةِ رسولِ اللَّه، قال: "فإنْ لم يكنْ في سنّةِ رسولِ اللَّه؟ "، قال:


(١) الفصول (٤/ ٢٥ - ٢٦).
(٢) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه والشافعي عن عمرو، وهذا لفظ البخاري ومسلم، ورواه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة، وفي رواية الدارقطني: "فلك عشرة أجور".
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم (١٢/ ١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>