وهو الترجيح بين الدليلين بدليل آخر خارج عنهما، أي: لا يتعلق بالسند ولا بالمتن، وإنما بوجود دليل آخر خارج عن الدليلين المتعارضين، وفيه وجوه كثيرة، أهمها:
١ - يرجح أحد الدليلين بموافقة دليل آخر له من كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس، أو عقل، أو حسّ؛ لأنه يفيد ظنًّا أقوى من معارضه الذي لم يوافقه دليل آخر، فيعمل بالأقوى لكونه أقرب إلى القطع، وهذا ما يعمله العقلاء، ويجري عليه العرف، ولأن في مخالفة الدليلين محذورًا أكثر من مخالفة الدليل الواحد، وهذا عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما اللَّه تعالى: لا يُرجح بذلك، وإنما يتساقط الدليلان، ويترك العمل بهما، فلا ترجيح عندهم بكثرة الأدلة، قياسًا على عدم الترجيح عندهم في الشهادة بكثرة العدد، ولأنه يؤدي إلى ترجيح القياس على الخبر عند تعارضهما؛ لأن القياس يوافقه قياس آخر.
وردَّ الجمهور عليهم هذا الرأي والاستدلال بوجود القول في ترجيح الشهادة بكثرة العدد عند بعض الفقهاء، وأن القياس المخالف للخبر ليس دليلًا أصلًا؛ لأن من شروط صحة القياس عدم معارضته للنص، والراجح قول الجمهور؛ لحصول القوة بالدليل الآخر، وهو ما يفعله الحنفية في فروعهم.
٢ - يرجح الدليل الذي عمل به الخلفاء الراشدون، أو أهل المدينة، وإن لم يكن عمل أهل المدينة حجة عند الجمهور، ولكنه يُقوى به؛ لأن الظاهر بقاؤهم على ما كان في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وللحث على اتباع الخلفاء الراشدين رضي اللَّه عنهم، ولأن الظاهر أنهم لم يتركوا النص الآخر إلا لحجة عندهم.
٣ - يرجح الدليل الذي عمل به أكثر السلف؛ لأن الأكثر يُوفق للصواب ما لا يوفق له الأقل، وكذلك إذا عمل بالدليل بعض الأمة، فيرجح؛ لأنه يكون أغلب على الظن قبوله.
٤ - يرجح الدليل الذي ذكر فيه الحكم الشرعي معلّلًا بعلة على الحكم