للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دلالة الأمر وموجَبه:

قال جمهور العلماء: إن الأمر يدل على وجوب المأمور به، ولا يصرف عن الوجوب إلى غيره إلا بقرينة تدل على ذلك؛ لأن العرب تستعمل الأمر للطلب الجازم، وهو ما جاء في النصوص الشرعية، فإن قصد به غير ذلك فهو على سبيل المجاز، وإلا فالأصل أنه للوجوب شرعًا (١).

[الدلالات المجازية للأمر]

ويدل الأمر عند وجود القرينة على أحد الأمور التالية، بحسب القرينة التي تصرفه من الوجوب إلى غيره، ويكون مجازًا، فمن ذلك:

١ - الندب والاستحباب، مثل قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣]، فالأمر بالمكاتبة مندوبة بقرينة أن المالك حر التصرف في ملكه.

٢ - الإرشاد مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢]، فالأمر بكتابة الدين يدل على مجرد الإرشاد للأحسن وللاحتياط، للقرينة في الآية التالية: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: ٢٨٣]، أي: عند الثقة بالمَدين الأمين فلا حاجة للكتابة؛ لأن اللَّه أمره بأداء الأمانة ولو بدون كتابة.

٣ - الإباحة: مثل قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: ١٨٧]، فإنها للإباحة بقرينة أن الأكل أو الشرب تستدعيه الفطرة عند كل مخلوق حي، ومثل قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: ١٠]، فالأمر بالانتشار والسعي بعد صلاة الجمعة يفيد الإباحة، والقرينة إما عامة، وهي عدم مؤاخذة أو تأثيم من بقي في المسجد بعد الصلاة، وإما خاصة، بأن الأمر بعد الحظر يفيد الإباحة عند بعض المذاهب، أو يعيد الأمر إلى ما كان قبله عند آخرين، والانتشار قبل الصلاة مباح، ثم حظر بسبب صلاة


= للآمدي (٢/ ١٤٤)، شرح تنقيح الفصول ص ١٢٧، تفسير النصوص (١/ ٢٤١)، المسودة ص ١٣، علم أصول الفقه ص ١٩٤.
(١) المراجع السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>