للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وردّ الجمهور عليهم بأن قصة مسجد ذي القبلتين هي أصلًا من أخبار الآحاد، وعلى فرض ثبوتها، فلعله انضم إليها ما يفيد العلم كقربهم من مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وسماعهم ضجة الناس، وترقبهم تحول القبلة إلى البيت الحرام، وأن إرسال الآحاد للتبليغ، فيجوز فيه خبر الآحاد، وليس فيه دلالة على وقوع نسخ المتواتر بالآحاد، وأن نسخ القرآن بالسنة الآحاد فيه خلاف، ويحمل في الغالب على التخصيص، لا على النسخ.

الحالة الثانية: نسخ خبر الآحاد بخبر الآحاد، وهذا جائز شرعًا، وواقع فعلًا، وسبقت أدلته، كنسخ تحريم زيارة القبور، ونسخ تحريم ادخار لحوم الأضاحي، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في شارب الخمر: "فإن شربها الرابعة فاقتلوه" (١)، ثم نسخ بحديث آحاد وفيه "أنه حمل إليه من شربها الرابعة فلم يقتله" (٢)، وله أمثلة أخرى (٣).

ثالثًا: نسخ السنة بالقرآن:

اختلف العلماء في نسخ السنة بالقرآن على قولين:

القول الأول: جواز نسخ السنة بالقرآن، وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة والظاهرية، وكئير من الشافعية، واستدلوا على ذلك بوقوعه فعلًا في عدة أمثلة:

١ - نسخ استقبال القبلة إلى بيت المقدس المقرر بالسنة، بقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ


= محققة، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ٩٦٨).
(١) هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد (٢/ ١٩١) عن ابن عمر، ورواه أبو داود عن معاوية وابن عمر وأبي هريرة (٢/ ٤٧٣) ورواه الترمذي والدارمي.
(٢) هذا الحديث رواه أبو داود عن قبيصة، وفي آخره: "ورفع القتل، وكان رخصة" (سنن أبي داود ٢/ ٤٧٤)، وذكره الترمذي بمعناه.
(٣) المراجع السابقة في الصفحة السابقة هامش ٥، وانظر: شرح الكوكب المنير (٣/ ٥٦٠)، البحر المحيط (٤/ ١٠٨)، إرشاد الفحول (٢/ ٥٥٣) ط محققة، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ٩٦٧)، أصول الأحكام ص ٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>