للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيهم العوام، ومن فرضه الاتباع للمجتهدين والأخذ بقولهم لا غير، ومع ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة والسلف تكليف العوام الاجتهاد في أعيان المجتهدين، ولا أنكر أحد منهم اتباع المفضول، والاستفتاء له، مع وجود الأفضل، ولو كان ذلك غير جائز، لما جاز من الصحابة التطابق على عدم إنكاره والمنع منه ثم قال الآمدي: "ولولا إجماع الصحابة لكان مذهب الخصم أولى" (١).

واستدلّ الجمهور على ذلك أيضًا بالمعقول، وهو أن الترجيح بين العلماء يتعذر للعامي، وهو تكليف له بما لا يطيق.

القول الثاني: وجوب استفتاء الأفضل في العلم والورع والدِّين، وهو مذهب أحمد، وبعض الشافعية كابن سريج والقفال وأبي إسحاق الإسفراييني والكيا الهرَّاسي، واختاره الغزالي.

واستدلوا على ذلك بأن أقوال المجتهدين أو المفتين بالنسبة لعامة الناس كالأدلة والأمارات المتعارضة بالنسبة للمجتهد، فيجب على العامي الترجيح، ويكون بالفضل والعلم، فالأعلم أقوى، ويعرفه الناس إما بالاجتهاد والتجربة، أو بالشهرة والتسامع ورجوع الناس إليه، والسؤال والبحث والتحري على قدر الاستطاعة.

وأرى أن القول الثاني أقوى دلالة، وأكثر ورعًا، وهو ما تطمئن له النفس، ولكن الواقع يخالف ذلك، وأنه يعسر تطبيقه، ولا يوجد ضابط له، وفيه مشقة على الناس، ويمكن التوفيق في عصرنا بتعيين الأعلم والأفضل لمنصب الإفتاء، وجعل الفتوى بيد هيئة وجماعة لا ينفرد بها أحد، وتكون هي المرجع الرسمي والمعتمد للفتوى.

[٢ - العدالة]

اتفق العلماء على اشتراك العدالة في المفتي، وهي هيئة في النفس تحمل


= ابن ماجه وأحمد: "أقضاهم علي بن أبي طالب".
(١) الإحكام، للآمدي (٤/ ٢٣٣) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>