للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين التقليد والاتباع]

فرّق كثير من العلماء بين التقليد الذي يأخذ فيه الشخص بقول غيره بدون معرفة دليله، وبغير حجة تظهر له، بل بمجرد الاقتناع والثقة والمحاكاة، حتى لا يعرف دليل القول، ولا معنى قوله، وإنما يسلم به، ويلتزمه فيه، ويسير على هداه.

أما الاتباع فهو الأخذ بقول الآخر بعد معرفة دليله، والطريق الذي أخذ به، فيقتنع بالقول مع الدليل، ثم يتبعه، فيكون تابعًا طريق المتبوع، ولذلك فإن معظم الأصحاب لإمام المذهب هو تابعون له؛ لمعرفتهم الحكم مع الدليل، وكذلك معظم الباحثين والدارسين للفقه المذهبي يعتبرون تابعين للمذهب، وليسوا مقلدين له.

ولذلك فكل من خرج عن الاجتهاد ممن ذكرناه سابقًا، ولم يبلغ درجة الاجتهاد، بل يتبع الرسول - صلى الله عليه وسلم - والإجماع والمعلوم بالضرورة فهذا اتباع، وليس تقليدًا، وكذا اتباع المجتهد لقول مجتهد آخر، يسمى اتباعًا، وليس تقليدًا (١).

[تاريخ التقليد والاتباع]

إن التقليد لأقوال العلماء المجتهدين ظهر منذ عصر الصحابة رضوان اللَّه عليهم، فكان معظم الصحابة غير مجتهدين، ويسألون كبار الصحابة وفقهاءهم عن الأحكام، فيأخذون بها دون الاستفسار عن الدليل.

ولكن لم يكن للصحابة مذهب كامل، واستمر الأمر كذلك في عهد التابعين، إلى أن ظهر كبار الأئمة المجتهدين، وصار لهم أتباع، واستقرت مذاهبهم، وبدأ التقليد


= المحيط (٦/ ٢٧٠)، فواتح الرحموت (٢/ ٤٠٠)، تيسير التحرير (٤/ ٢٤١)، المسودة ص ٥٥٣، صفة الفتوى ص ٥١، مختصر البعلي ص ١٦٦، مختصر الطوفي ص ١٨٣، الرد على من أخلد إلى الأرض ص ١٢٠، إرشاد الفحول ص ٢٦٥، المدخل إلى مذهب أحمد ١٩٣، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ١١٢٠)، أصول الأحكام ص ٣٧٩.
(١) نقل الزركشي عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني أنه قال: "والصحيح الذي ذهب إليه المحققون ما ذهب إليه أصحابنا أنا إنما صرنا إلى مذهب الشافعي لا عن طريق التقليد، وإنما هو من طريق الدليل، وذلك أننا وجدناه أهدى الناس في الاجتهاد، وأكملهم آلة وهداية له، فلما كانت طريقته أسد الطرق سلكناه في الاجتهاد والنظر في الأحكام والفتاوى، لا أنا قلدناه ... " البحر المحيط (٦/ ٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>