للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه المجتهد هو الحق المطلوب به، فلم يجز أن يكون القصد هو الاستدلال دون الحكم المطلوب به؛ لأن الاستدلال مقصود لمعرفة الحكم، وقد وضع اللَّه تعالى أمارات توصل إلى حكم ما أخفاه، فلم يخرج عن الاستطاعة.

ولعل الراجح هو قول الشافعي رحمه اللَّه تعالى؛ لأن الهدف من الاجتهاد، وتكليف المجتهد بالاجتهاد، هو لمعرفة الحق الذي يظن أنه حكم اللَّه تعالى في المسألة المجتهد فيها، وهو نتيجة الاجتهاد، وهو ما يجري عليه العمل من المجتهدين عامة (١).

ثانيًا: اعتماد الإصابة واحتمال الخطأ في الاجتهاد:

إن اعتماد الإصابة حتمًا في الاجتهاد، واحتمال الخطأ فيه، يختلف بحسب المجتهد فيه، ولذلك لا بد من التفصيل.

[١ - الاجتهاد في العقليات]

الأمور العقلية تشمل ما يصح للناظر درك حقيقتها بنظر العقل المحض، ولو قبل ورود الشرع، كإثبات وجود الصانع الخالق، وحدوث العالَم، وصفات اللَّه تعالى واجب الوجوب الواجبة والجائزة والمستحيلة، وبعثة الرسل، وتصديقهم بالمعجزات، كما يشمل الأمور الشرعية التي تستند إلى ثبوت أمر عقلي، كعذاب القبر، والصراط، والميزان، ورؤية اللَّه تعالى، وعدم خلق القرآن، وخلق الاستطاعة في كسب الأعمال (٢)، وخروج الموحدين من النار، وغير ذلك.


(١) الحاوي (٢٠/ ١٨٨ - ١٨٩).
(٢) قال أهل السنة: إن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة؛ لقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم سترون ربكم عيانًا، كما ترون القمر، لا تضامون في رؤيته"، أخرجه البخاري ومسلم (٥/ ١٣٤) وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد عن جرير رضي اللَّه عنه، وخالف المعتزلة في ذلك لقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)} [الأنعام: ١٠٣]، وفسّرها أهل السنة: لا تدركه إدراك ماهية وإحاطة.
وقال أهل السنة: كلام اللَّه قديم غير مخلوق؛ لأنه صفة من صفاته القديمة كذاته، والقرآن كلام من اللَّه، وليس من اللَّه شيء مخلوق، وخالف المعتزلة =

<<  <  ج: ص:  >  >>