للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الخامسة: مراعاة الخلاف]

يتفرع على مسألة التصويب والتخطئة في الاجتهاد مسألة مراعاة الخلاف، باعتبار أن المجتهد يدّعي الإصابة، ويقول: إنَّ قولي صحيح، ويحتمل الخطأ، وقول المخالف خطأ يحتمل الصواب، فلا يقطع بصواب قوله، ولا بخطأ مخالفه، وهذا من باب الاحتياط والأدب واحترام قول الآخر، وهو من دقيق النظر والأخذ بالحزم، ويسمى: الخروج من الخلاف، وهو أن من يعتقد جواز الشيء يترك فعله إن كان غيره يعتقد حرامًا، وقد يستحبه إن كان غيره يوجبه.

وإنما يراعى الخلاف إذا كان له دليل مقبول، أو دليل قوي، أما إذا كان الدليل ضعيفًا، أو واهيًا، أو وهمًا، فلا اعتبار به، وهذا الشرط الأول لمراعاة الخلاف.

ويشترط أيضًا ألا تكون مراعاة الخلاف لرأي أو مذهب مؤدية إلى مخالفة رأي آخر، أو مذهب آخر، له دليل مقبول أو قوي.

ويشترط في مراعاة الخلاف ألا يكون قد صدر فيه حكم قضائي، فحكم القاضي نافذ، ويجب تنفيذه والالتزام به.

وقال الشافعية: يستحب مراعاة الخلاف، أو الخروج منه في صور كثيرة، كاستحباب الدلك في الغسل لقول مالك بوجوبه، واستجباب ترك الجمع بين الصلاتين لقول الحنفية بمنعه، واستحباب عدم القصر في مسافة العدوى (٤٠ كم) لقول الحنفية بمنعه، واستجباب ترك صلاة المفترض خلف المتنفل والعكس، وصلاة الظهر خلف من يصلي العصر والعكس، وصلاة الفرض خلف من يصلي السنة والعكس، لعدم مشروعيتها عند الحنفية، وهكذا (١).


= المعتمد (٢/ ٨٨٩)، تيسير التحرير (٤/ ٢٣٦)، فواتح الرحموت (٢/ ٢٩٧)، مختصر ابن الحاجب (٢/ ٣٠١، ٣٠٢)، شرح الكوكب المنير (٤/ ٥١٩)، المسودة ص ٥١٠ وما بعدها، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ١١٠٦).
(١) البحر المحيط (٦/ ٢٦٥)، الأشباه والنظائر، للسيوطي ص ٢٥٧ القاعدة ١٢، نشر دار الكتاب العربي -بيروت- ط ٤ - سنة (١٤١٧ هـ / ١٩٩٨ م).

<<  <  ج: ص:  >  >>