إن النصوص القطعية الثبوت تشمل كما سبق نصوص القرآن والأحاديث المتواترة، فإن كانت ظنية الدلالة بأن يحتمل النَّص أكثر من معنى واحد فإنه محل للاجتهاد فيه للبحث عن معرفة المعنى المراد من النص، وقوة دلالته على المعنى، كأن يكون النص عامًّا، أو مطلقًا، وكل منهما يدل على عدة معان، وقد تكون دلالة اللفظ بطريق العبارة أو الإشارة، أو بالمنطوق، أو بالمفهوم، أو غير ذلك مما سبق بيانه في باب الدلالات، وقد يكون العام باقيًا على عمومه، وقد يكون مخصَّصًا، مع الاختلاف في تخصيصه، وقد يكون المطلق باقيًا على إطلاقه، وقد يكون مقيدًا، والأمر الوارد بالنص القطعي يدل في الأصل على الوجوب، ولكنه قد يراد منه الندب أو الإباحة أو غيرهما، والنهي الوارد في النص القطعي يدل في الأصل على التحريم، وقد يصرف إلى الكراهة أو غيرها، وهكذا سائر مباحث الدلالات، أو تفسير النصوص السابقة، كالاختلاف في مقدار مسح الرأس في الوضوء، والاختلاف في معنى القرء، وغير ذلك مما سبق بيانه.
[٢ - النصوص الظنية الثبوت الظنية الدلالة]
إن الأحاديث المشهورة، وأحاديث الآحاد التي ثبتت بطريق الظن، تكون محلًا للاجتهاد، وإن كانت قطعية الدلالة، كحديث نصاب الغنم والإبل في الزكاة، فهو قطعي الدلالة، لكنه يحتمل الاجتهاد فيه، للبحث في السند، وطريق الوصول، ودرجة الرواة من العدالة والضبط وغيرهما مما يؤدي حتمًا إلى الاختلاف حسب تقدير المجتهدين، وهو أحد أسباب اختلاف الفقهاء، كما سبق بيانه في الجزء الأول، فبعضهم يثبت عنده الحديث، ويطمئن إليه، ويثبت الحكم الوارد فيه، وبعضهم لا يثبت عنده الحديث، ولا يطمئن له، فيرفض الأخذ به، وهذا مجال للاجتهاد، ويؤدي إلى اختلاف المجتهدين، وهو كثير في الأحكام العملية.
وهذه النصوص الظنية الثبوت كثيرًا ما تكون ظنية الدلالة، وتحتمل أكثر من معنى، فإن اتفق العلماء على صحة ثبوتها (بالطريق الظني) فيرد الاجتهاد في مضمونها ومتنها، مما يسميه الجمهور بالدراية، فقد يثبت الحديث عند