وطبقاتهم في كل عصر، وفي كل مذهب، تأكد أن الاجتهاد لم يتوقف في أي مذهب وفي أي عصر، ولكن تتفاوت نسبته وعمقه، مع الاعتراف بوجود التقصير في عصور التخلف والانحطاط مما أدى إلى عدم مواكبة أحداث الزمن ووقائعه.
[الاجتهاد في العصر الحاضر]
أحس المسلمون عامة، والعلماء خاصة منذ مطلع القرن الرابع عشر الهجري، والعشرين ميلادي، بضررورة العودة إلى رحاب الشريعة الغراء في التطبيق والحياة، وأدركوا عوامل الخمود والكسل والركود التي سبقت ذلك، فشمروا عن ساعد الجد، وطالبوا بالالتزام بالشرع الحنيف، وساهموا في فتح الكليات والجامعات والمعاهد، ودرسوا مختلف العلوم الإسلامية، وخاصة أصول الفقه، والفقه المقارن بين المذاهب، والموازنة مع القوانين الأجنبية المستوردة، وأدلوا بدلوهم تدريجيًّا في الاجتهاد، وبيان الأحكام في النوازل والمستجدات، ومارسوا الاجتهاد عمليًّا، وتعالت أصواتهم بالدعوة مجددًا إلى فتح باب الاجتهاد، وإنهاء دعوى أو فتوى غلق باب الاجتهاد، وطلبوا من العلماء الذين تتوفر فيهم شروط الاجتهاد أن يتولوا القيام به، ولو جزئيًّا، ليعود الأمر إلى الأصل الشرعي، وقرر معظم العلماء أن باب الاجتهاد لم يغلق أصلًا، وإنما وضعت القيود عليه خشية العبث به، ولوجود الموانع أمامه، وإذا زال المانع عاد الممنوع، وأن الأمة والعلماء مدعوّون قطعًا لتحصيل شروط الاجتهاد، ثم العمل بموجبه، وأن فضل اللَّه على عباده لم ولن ينحصر في وقت دون آخر، ولم ولن يتحدد بجيل دون آخر، وأن الخير في هذه الأمة حتى تقوم الساعة، ويجب أن تنفض عن كواهلها عوارض الكسل والخمود، لتمارس نشاطها الفقهي والاجتهاد.
وإن الظروف المعاصرة تستدعي الاجتهاد وتوجبه لسببين رئيسين:
السبب الأول: الصحوة الإسلامية المعاصرة، والمرافقة للتطور التقني في تدوين الكتب الشرعية في علوم القرآن، وعلوم السنة، وأصول الفقه، والموسوعات الفقهية، وإحياء التراث، وتحقيقه، ونشره، وسهولة الطباعة لأمهات الكتب في مختلف العلوم، مما يسهل على العلماء الزاد العلمي، وييسر لهم سبل الاجتهاد.