السبب الثاني: التطور المعاصر في مختلف شؤون الحياة، وكثرة المستجدات والنوازل والوقائع التي تحتاج إلى بيان الأحكام الشرعية لها، ووجود التحدي من الأنظمة والتشريعات الوافدة من الاتجاه المعاكس، والنظريات المادية، والهيمنة الفكرية، والعولمة، والغزو الثقافي والتشريعي، وظهور الاستعمار القانوني المعاصر.
وذلك بالإضافة إلى الدواعي الشرعية السابقة لضرورة الاجتهاد، وحتمية وجوده، وأهميته، وأداء وظيفته.
وظهر في العصر الحاضر المجامع الفقهية، والندوات، والمؤتمرات التي تجمع كبار العلماء لبحث القضايا المعاصرة، والاجتهاد الجماعي فيها، وإصدار الفتاوى بالاتفاق أو بالأغلبية لبيان الحلول الشرعية لقضايا الأمة والمجتمع والمؤسسات والشركات والأفراد، واختيار الآراء المناسبة من مختلف المذاهب بما يوافق روح العصر والتقدم والرقي والمكتشفات العلمية الحديثة.
وظهر في معظم البلاد العربية والإسلامية هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث، ودار الفتوى، ومنصب المفتي العام، ودوائر الشؤون الإسلامية، بالإضافة إلى أساتذة الفقه وأصول الفقه وتاريخ التشريع والفقه المقارن في الكليات والجامعات والمعاهد العليا ممن يجيدون البحث العلمي، ويكتبون البحوث المحكمة والمعمقة، ويقدمون الدراسات والأوراق للندوات والمؤتمرات ومجامع الفقه، إضافة إلى كبار القضاة الذين يتمرسون على فصل المنازعات والاختلافات التي لم يسبق لها مثيل، فيجتهدون في إصدار الأحكام الشرعية فيها، ويستقر عليها العمل، وتصبح سوابق قضائية، وتنتقل من بلد إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، وتجمع في مدونات، وتطبع وتنشر.
وهكذا يحافظ الاجتهاد في عصرنا الحاضر -كما كان في السابق- على حياة التشريع، ومرونة الفقه، وتطوره، وفعاليته، ويحافظ الاجتهاد على بقاء الفقه الإسلامي في المعاملات، ويتطلع إليه الخاصة والعامة لحل المشكلات، وإيجاد الحلول الموافقة للشرع للمعضلات التي رانت على القلوب بعد سيطرة الفكر المادي، والاستعمار التشريعي.