للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمفهوم، فإن كان المرجح مستقلًا، فلا يرجح به، كحديث آخر، وكثرة الأدلة، أو كثرة الرواة؛ لأن الرجحان في نظر الحنفية وصف للدليل، والمستقل ليس وصفًا له، ولأن المستقل إن كان فوق الدليل المراد ترجيحه، فيؤخذ به فقط، ولا حاجة للترجيح، وإن كان مثله، فلا ترجيح بالعدد.

ولم يشترط الجمهور هذا الشرط، وأجازوا الترجيح بالوصف القائم بالدليل، أو بالدليل المستقل؛ لأن المستقل أقوى من غير المستقل، والترجيح بالمستقل فيه كثرة للنظائر، وهذا بحد ذاته يعتبر وصفًا للدليل، ولذلك يجوز الترجيح عند الجمهور بكثرة الأدلة، وكثرة الرواية، وبالقياس مع أحد الدليلين، أو بقربه من القواعد (١)،

وسيرد المزيد من ذلك مع الأمثلة عند عرض طرق الترجيح.

[حكم الترجيح]

أي: الأثر الذي يترتب على القيام بالترجيح، واتفقت المذاهب الأربعة، وجماهير الأصول أن حكم الترجيح هو العمل بالدليل الراجح (٢)، وذكر


(١) المحصول (٥/ ٥٤٠)، نهاية السول (٣/ ١٨٩)، جمع الجوامع والبناني (٢/ ٣٦١)، كشف الأسرار (٤/ ٧٨)، فواتح الرحموت (٢/ ٢٠٥)، البحر المحيط (٦/ ١٣١) وما بعدها، (١٣٧)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ١١٨٥، ١١٨٦).
(٢) أنكر بعض الظاهرية العمل بالراجح، وأنه يلزم عند التعارض التخيير، أو التوقف، أو العمل بالمرجوح، لقوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢]، فأمر بالاعتبار مطلقًا، ولا وجه لوجوب العمل بالراجح دون المرجوح، فالعمل بالمرجوح ضرب من الاعتبار، وأن الأمر بالحكم بالظاهر، والمرجوح ظاهر فجاز العمل به، والأدلة الراجحة والمرجوحة سواء في وجوب الطاعة والاستعمال؛ لأنها كلها من عند اللَّه، واعترض العلماء على هذه الاستدلالات وأنها باطلة، ونسب هذا القول لأبي عبد اللَّه الحسين البصري المعتزلي، ولكن إمام الحرمين أنكر ذلك وقال: لم أجده في مصنفاته، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: لا يجوز العمل بالمرجح المظنون، وإنما أقبل الترجيح بالمقطوع به، لتقديم الظن على القياس، لا بالأوصاف ولا الأحوال ولا بكثرة الأدلة ونحوها، فلا يجب العمل به، فإن الأصل امتناع العمل بالظن، وردَّ العلماء قوله أيضًا بأدلة كثيرة (انظر آراء الجماهير وأدلتهم والمخالفين والرد عليهم في: الإحكام للآمدي (٤/ ٢٣٩)، المحصول (٥/ ٥٢٩)، المستصفى (٢/ ٣٩٤)، جمع الجوامع والبناني (٢/ ٣٦١)، نهاية السول (٣/ ١٨٩)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>