الشرط الثاني: أن يوجد المقتضي الذي يدفع المتحدي إلى المباراة والمنازلة، فهل كان هناك دافع للعرب الكفار لمعارضة القرآن، وأن ينازلوا محمدًا في الإتيان بمثل كتابه؟.
والجواب واضح وظاهر؛ لأن الكفار في الجاهلية كانوا يعبدون الأصنام، ويقدسون الأوثان، ويقلدون الآباء، ويتبعون الأجداد، فجاء رسول الله بدين جديد يبطل دينهم، ويسخر من آلهتهم، ويسفه عقولهم، ويهزأ من أصنامهم، وفرق شملهم بدعوته لله، وأنه رسول الله، وأن القرآن معجزته التي تحداهم بها، فكان الدافع قويًّا وشديدًا إلى التحدي، وكانوا حريصين على تكذيب دعواه، وإبطال نبوته ومعجزته، ودحض حجته، لتبقى لهم الآلهة والأصنام، ويستمروا في تقليد الآباء والأجداد والدفاع عنهم والسير على سننهم ومنوالهم.
الشرط الثالث: أن ينتفي المانع من المباراة والمعارضة والمنازلة، وهذا الشرط متحقق في العرب الذين تحداهم رسول الله، فالقرآن نزل بلغة عربية، ويتألف من أحرف الهجاء التي ينطقون بها، وعباراته عربية، وأسلوبه عربي مبين، ومن جهة أخرى فالعرب وقتئذ في مكة وغيرها هم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان، اشتهروا بذلك وتباروا بينهم، وعقدوا الندوات والأسواق للشعراء والخطباء والفصحاء، فهم أرباب الفصاحة وفرسان البلاغة وأمراء البيان، ومن جهة ثالثة فإن أقوالهم مملوءة بالحكم، وأشعارهم ثرية بالمواعظ والإرشاد، وحياتهم تدل على نضج العقل وكثرة التجارب في هذا الميدان، وطلب منهم القرآن الكريم أن يتجمعوا، وأن يُعين بعضهم بعضًا، وأن يستمدوا النصرة من آلهتهم وإنسهم وجنهم، وأن يستعينوا بشهدائهم، وبقي الأمر كذلك على مدى ثلاث وعشرين سنة، وهذا يؤكد إنتفاء المانع من المعارضة في الإتيان بمثل هذا القرآن، مع ما أصابهم من خزي وعار، وما تبع عجزهم من اللجوء إلى الحرب وسفك الدماء، وهذا أشد