نخصص هذا المبحث لبيان مجال الاجتهاد، أو محل الاجتهاد، أو نطاق الاجتهاد، وهو الركن الثالث من أركان الاجتهاد السابقة، وهو المجتهد فبه، لبيان ما يسوغ الاجتهاد فيه.
وأشرنا سابقًا إلى أن الأحكام الشرعية كلها تؤخذ من مصدرين أساسيين، وهما: النصوص الشرعية، والاجتهاد.
ولكن وضعَ الفقهاءُ وعلماء الأصول قاعدة أساسية مهمة، وهي: لا اجتهاد في مورد النص، ويتبادر إلى ذهن كثير من الناس أن الاجتهاد مقابل للنص، وأنه لا اجتهاد نهائيًّا في النصوص؟! وهذا غير دقيق نهائيًّا، وغير مقصود للعلماء؛ لأن الاجتهاد يقع بالنصوص قطعًا ويقينًا بالاتفاق، ومن هنا تظهر أهمية هذا المبحث لبيان مجال الاجتهاد أو نطاقه أو محله أو المجتهد فيه.
ونسارع إلى القول: إن مجال الاجتهاد واسع جدًّا جدًّا، ويكاد يغطي معظم الأحكام الشرعية، وأنه لا يخرج عن مجال الاجتهاد إلا أمران فقط، ولذلك نحدد ما يخرج عن الاجتهاد أولًا، ثم نبين ما يتناوله الاجتهاد ثانيًا.
أولًا: ما لا يجوز الاجتهاد فيه:
لا يجوز الاجتهاد، ولا يصح، وإن حصل وقع باطلًا، في أمرين فقط، وهما: النصوص القطعية الثبوت والدلالة، وما وقع عليه الإجماع.
[١ - النصوص القطعية في الثبوت والدلالة]
إن النصوص الشرعية تعني ما ثبت في القرآن الكريم والسنة الشريفة، ولكن هذه النصوص بعضها قطعي الثبوت، وهو القرآن الكريم والأحاديث المتواترة، وبعضها ظني الثبوت، وهو الأحاديث المشهورة، وأحاديث الآحاد، وكل من القسمين إما أن يكون قطعي الدلالة، أي: له معنى واحد محدد متبادر إلى الذهن، وليس فيه احتمال آخر أصلًا غير المعنى السابق،