وإن كان ما بعدها مفردًا في نفي، فإنها تقرر ضد حكم ما قبلها لما بعدها، نحو: ما قام زيد بل عمرو، ولا تضرب خالدًا بل سعيدًا، فنفى قيام زيد وأثبت قيام عمرو، ونهى عن ضرب خالد، وأثبت الضرب لسعيد، ويكون الكلام الأول كأنه غير موجود على سبيل التدارك للغلط في الأول، بنفي الحكم عنه.
ومعنى الإعراض عن الكلام الأول هو أنه يجعله كأنه غير مذكور، ويكون الحكم منصبًا على الثاني فقط، فلا يكون في العطف بـ "بل" إلا إخبار واحد، بخلاف "لكن".
وقيل: إن "بل" للإعراض عما قبلها، أي جعله في حكم المسكوت عنه، فإذا انضم إليها "لا" صار نصًّا في نفي الأول، نحو: جاء زيد لا بل عمرو، وفي قول ثالث لبعض العلماء أن "بل" تكون ناقلة للحكم الأول لما بعدها، كما في الإثبات وما في حكمه، نحو: ما قام عمرو بل زيد، أي ما قام زيد أيضًا، ونحو: لا تضرب خالدًا، بل سعيدًا، أي لا تضرب سعيدًا أيضًا.
أما إذا كان ما بعد "بل" جملة فلها معنى آخر، وهو الإضراب الإبطالي أو الانتقالي، كما سيأتي.
[الفرق بين "بل" و"لكن"]
١ - إن "لكن" في عطف المفرد على المفرد أخص من "بل" في الاستدراك، فإن "بل" تكون بعد الإيجاب، مثل: ضربت زيدًا بل عمرًا، وبعد النفي، نحو: ما جاء خالد بل سعيد، وأما "لكن" فلا تستدرك إلا بعد النفي، نحو: ما ضربت زيدًا لكن عمرًا، ولا يصح القول: ضربت زيدًا لكن عمرًا.
٢ - إن موجَب الاستدراك بحرف "لكن" هو إثبات ما بعده، وأما نفي الأول فليس من أحكامها، ويثبت ذلك بدليله، وهو النفي الموجود فيه صريحًا، بخلاف حرف "بل" فإن موجَبها وضعًا نفي الأول وإثبات الثاني.
[شروط الإضراب]
يشترط لتكون "بل" للإضراب أن يكون صدر الكلام محتملًا للرد والرجوع عنه، فإن كان لا يحتمل صار بمنزلة العطف المحض، وتفيد إثبات