نبحث في هذا الفصل عن منزلة السنة في التشريع، ودرجة السنة بين مصادر التشريع، ومراتب السنة بالنسبة إلى القرآن الكريم.
أولًا: منزلة السنة في التشريع:
تبين من الدراسة السابقة أن السنة حجة كاملة في ثبوت الأحكام، وأنها مصدر تشريعي مستقل، وأن الأحكام التي تثبت في السنة لا تقل منزلة عن الأحكام في القرآن الكريم، فكلا الأمرين من عند الله تعالى، وكل حكم في السنة يعتبر حكمًا من عند الله تعالى، وأحكام الله تعالى متساوية، لا تفاوت بينها, ولا تمييز لأحدها عن الآخر، فالمسلم مكلف بكل حكم يثبت في السنة بنفس قوة تكليفه بالأحكام الواردة في القرآن الكريم، وأنه يثاب على الفعل، ويعاقب على الترك.
ونلمس هذا الفهم في حياة الصحابة رضوان الله عليهم في أثناء نزول الوحي من السماء وتلقي أحكام الله تعالى، فلم يفرقوا بين حكم نزل بالوحي وحكم صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل لم يرد عن صحابي واحد سؤال عن مصدر الحكم الشرعي هل هو قرآن أم سنة؟ تصديقًا لوصف الله تعالى لهم بقوله: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١)} [النور: ٥١].