للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السابع مسائل في الاجتهاد]

يذكر علماء الأصول عدة مسائل في الاجتهاد، بعضها تاريخي، وبعضها نظري، وبعضها يتصل بالواقع ومستجدات الحياة، ونذكر هنا أهمها:

المسألة الأولى: اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - (١):

أجمع العلماء على أنه يجوز للنبي - صلى الله عليه وسلم - الاجتهاد فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب والأقضية ونحوها، وقد وقع ذلك فعلًا، ونقل الإجماعَ سُلَيم الرازي وابن حزم (٢) رحمهما اللَّه تعالى، ومثاله: إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصالح غطفان على ثلث ثمار المدينة (٣)؛ لأن هذا في أصله مباح؛ لأن لهم أن يهبوا من أموالهم ما أحبُّوا، وكذلك قوله في تلقيح النخل؛ لأنه يباح للمرء أن يلقح نخله وأن يتركها، ويضاف أمثلة أخرى كاجتهاده في موضع النزول في بدر، واجتهاده بأخذ الفداء من الأسرى، وغير ذلك.

أما الاجتهاد في الأحكام الشرعية والقضايا الدينية التي لا نص فيها، فقد اختلف العلماء على قولين:

القول الأول: يجوز اجتهاده عقلًا، وقد وقع ذلك فعلًا، وهو رأي أكثر الأصوليين، وهو قول الحنفية مع تقييده بقولهم: بشرط انتظار الوحي، إلا أن يخاف فوت الحادثة، وأن اجتهاده يختص بالقياس، أما الاجتهاد في الدلالة فلا مجال له؛ لأن المراد عنده - صلى الله عليه وسلم - واضح، ولا تعارض لديه.


(١) يبحث العلماء ذلك بالنسبة لاجتهاد سائر الأنبياء، ولم نر حاجة لهذا التعميم.
(٢) الإحكام لابن حزم (٢/ ٧٠٣)، البحر المحيط (٦/ ٢١٤)، إرشاد الفحول ص ٢٥٥.
(٣) سيرة ابن هشام (٢/ ٢٢٣)، وقد عدل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك حين استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فرفضا ذلك، وقال الأول: "عندما كنا على الشرك والوثنية لم نعطهم ذلك، أفحين أكرمنا اللَّه بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك، وبه، نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا من حاجة، واللَّه لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم اللَّه بيننا وبينهم"، وروى ذلك البزار والطبراني وغيرهم، انظر: زاد المعاد (٣/ ٢٧٣)، تخريج أحاديث البزدوي ص ٥٣٢، مجمع الزوائد (٦/ ١٣٢). =

<<  <  ج: ص:  >  >>