والمراد من الفقيه عند الأصوليين قديمًا: المجتهد، وأما إطلاقه على من يحفظ الفروع الفقهية فهو اصطلاح عند غيرهم، وكان لفظ الفقيه والمجتهد مترادفين في العصور الأولى، ثم انفصلا، وصار الفقيه هو المجتهد عند الأصوليين، والعالم بالفقه هو الفقيه عند الفقهاء.
والاجتهاد ينتج عنه الاستنباط، والاستدلال عامة، أو من دلالات النصوص، أو مما لم يرد فيه نص، وينتج عن جميع ذلك القياس والاستحسان والاستصلاح والاستصحاب، وسد الذرائع، وغيرها، وسيرد تفصيل مجال الاجتهاد، أو وجوهه أو محله أو نطاقه الذي يستعمل فيه، مما يدل على اتساع دائرة الاجتهاد، وأنه أوسع من القياس، وأوسع من الرأي (١).
[مشروعية الاجتهاد]
الاجتهاد مطلوب في الشرع، وهو أصل من أصول الشريعة، كما سبق في حديث معاذ، ووردت فيه أدلة كثيرة تدل على طلبه إما صراحة، وإما إشارة، سواء في القرآن والسنة والإجماع والمعقول.
أولًا: الكتاب:
وردت آيات كثيرة تأمر بالنظر والبحث وإعمال العقل والفكر لمعرفة أحكام اللَّه تعالى، وتدل على أن الاجتهاد أصل من أصول الشريعة إما بطريق التصريح أو الإشارة والتنبيه، فمن ذلك:
(١) قال بعض الفقهاء: الاجتهاد هو القياس، ونسبه ابن أبي هريرة للشافعي، قال الغزالي: "وهو خطأ"، وقال الماوردي؛ "اشتبه عليه ذلك، فالاجتهاد أعم من القياس، وإن كل واحد منهما يتوصل به إلى حكم غير منصوص عليه، مع فروق بينهما" (الحاوي ٢٠/ ١٧٨)، المستصفى (٢/ ٣٠٠)، ونقل الزركشي عن أبي بكر الرازي أن اسم الاجتهاد يقع في الشرع على القياس الشرعي، وما يغلب على الظن من غير علة كالاجتهاد في المياه والوقت والقبلة وتقويم المتلفات ومهر المثل والمتعة والنفقة، والاستدلال بالأصول، البحر المحيط (٦/ ١٩٧) بتصرف.