وهو الاجتهاد الذي يصدر من عدد من العلماء الباحثين الذين وصلوا إلى درجة الاجتهاد الجزئي، وذلك بعد عرض مسألة أو قضية، ودراستها، ومناقشتها، وإبداء الرأي فيها، واتفاق الحاضرين أو أغلبهم عليها، وهو ما يقع في الندوات، والمؤتمرات، وخاصة في مجمع البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، والمجامع الفقهية التي ظهرت في القرن الرابع عشر الهجري، وتضم نخبة من علماء العصر من مختلف البلدان والمذاهب الفقهية، مع الاستعانة بأهل الاختصاص الفني والعلمي في المسائل المدروسة كالاستعانة بالأطباء والمخبريين في الأمور الصحية وبيان أحكامها الشرعية، والاستعانة بالمحامين والقضاة وشراح القانون في القضايا التشريعية المعاصرة، والاستعانة بالمحاسبين والاقتصاديين في الأمور المالية والاقتصادية والمصارف والشركات عامة، وشركات التأمين، وغير ذلك.
ويمتاز الاجتهاد الجماعي عن الاجتهاد الفردي أنه يمثل رأي عدد، وهو أقرب للصواب من رأي الفرد، وأنه يتم بعد مناقشات ومحاورات ومداخلات واستعراض لمختلف الأدلة، كما يدلي فيه أصحاب الاختصاصات العلمية بحقائق الأمور ليبدي الفقهاء الرأي الشرعي فيها.
وأصبح الاجتهاد الجماعي ضرورة ملحة، وحاجة أكيدة في عصرنا؛ لكثرة المستجدات والمكتشفات، وتعقد الأمور، وتشعب العلوم وتفرعها وتداخلها وتشابكها، حتى صار من المستحيل على عالم أن يتبحر ويتعمق في مختلف العلوم.
لذلك صار الاجتهاد التخصصي والمؤسسي عملًا جماعيًّا مهمًا وضروريًّا، ليصدر الاجتهاد من جموع العلماء والفقهاء في الشريعة مع قلة من الخبراء والمختصين في العلوم الأخرى.
وهذا الاجتهاد الجماعي أكثر قبولًا على مختلف المستويات الفردية والرسمية، وأعطت الاجتهادات الجماعية رصيدًا ممتازًا فيما عرض عليها، ولكن لا تزال في أول الطريق، وتحتاج لمزيد من الرعاية والعناية والتفرغ