للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التعارض والترجيح بين أنواع الواضح]

سبق أن قلنا: إن الواضح على مراتب ودرجات، ويظهر أثر ذلك عند التعارض وتقديم الأكثر وضوحًا؛ لأنه الأقوى، فيقدم المُحْكم، ثم المفسَّر، ثم النص، ثم الظاهر، وهذه أمثلة لذلك.

[١ - تعارض الظاهر والنص]

بيَّن اللَّه تعالى المُحَرَّمات من النساء، ثم قال بعدها: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤]، وهذا ظاهر فيم حل ما زاد عن الأربع، وقال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣] وهذا نص على اقتصار الحل على أربع زوجات، وتحريم الزيادة على ذلك؛ لأن النص سيق أصالة لإفادة هذا الحكم، فحصل التعارض، فيرجح النص؛ لأنه أقوى وأكثر وضوحًا، وفيه جمع بين الآيتين بحمل الظاهر في الأولى على احتماله الآخر الموافق للنص، وهذا هو المقرر شرعًا أنه لا يجوز للمسلم أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات (١).

٢ - تعارض النَّص مع المفسر:

وذلك بين روايتين لحديث واحد، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المُسْتَحاضَةُ تتوضَّأُ عِنْدَ كلِّ صَلاة" (٢)، فهذا نص في إيجاب الوضوء على المستحاضة لكل صلاة، ولو في وقت واحد، ولكن ذلك يحتمل التأويل، وهو أن يكون المراد من قوله: "لكل صلاة" وقت كل صلاة؛ لأن اللام تستعار للوقت، للظهر أي لوقته، وجاءت الرواية الثانية بقوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت حُبَيْش رضي اللَّه عنها: "توضئي لوقتِ كلِّ صلاةٍ" (٣) فيدل على طلب الوضوء لوقت كل


(١) كشف الأسرار (١/ ٤٩)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٢٤)، علم أصول الفقه ص ١٦٨. وانظر أمثلة أخرى مع أحكام المذاهب فيها في: تفسير النصوص (١/ ١٧٩) وما بعدها.
(٢) هذه الرواية أخرجها أبو داود والترمذي، وقال: حسن، وابن ماجه.
(٣) هذه الرواية ذكرها صاحب كتاب الهداية في الفقه، فتح القدير (١/ ١٢٥)، وقال الزيلعي: غريب جدًّا (نصب الراية ١/ ٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>