ومثال ما يتوقف عليه صحة اللفظ شرعًا قوله تعالى:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ}[الحشر: ٨]، فالآية تدل بعبارتها على فقر المهاجرين مع أنهم كانوا أصحاب دور وأموال في مكة، وهذا الإطلاق لا يكون صحيحًا إلا إذا قدَّرنا زوال ملكهم عما تركوه في مكة، وأنه صار مملوكًا للكفار بالاستيلاء عليه، فتقدير زوال الملك يستدل به بطريق الاقتضاء لتصحيح الكلام شرعًا.
ومثله أن يقول شخص لآخر: تصدَّق بمتاعك هذا عني بمائة دينار، فالصدقة لا تصح إلا مما يملكه الشخص، فلا يصح هذا الكلام إلا إذا ملك المتاع، فيتوقف صحته شرعًا على تقدير شيء، وهو بَيْع المتاع للمتكلم، وكأنه يقول: بعني متاعَك بمائة، ثم تصدَّق به نيابة عني، فيكون البيع ثابتًا بدلالة اللفظ بطريق الاقتضاء.
ومثله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} أي حرّم عليكمْ زواجُ أمهاكم، وقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} أي: أكل لحمها، وهو كثير (١).
[٢ - دلالة الإشارة]
وهي غير مقصودة للمتكلم، وهي: دلالة اللفظ على لازم غير مقصود، ولا يتوقف عليها صدق الكلام أو صحته، فيقال: أشار النص إلى الحكم.
ومثاله: قوله تعالى عن الطفل: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف: ١٥]، مع قوله تعالى:{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}[لقمان: ١٤]، فإن ذلك يدل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر.
(١) المستصفى (٢/ ١٨٦)، الإحكام للآمدي (٣/ ٦٤)، المحلي والبناني (١/ ٢٣٩)، تيسير التحرير (١/ ٢٩١)، كشف الأسرار (١/ ٧٥)، شرح العضد (٢/ ١٧٢)، فواتح الرحموت (١/ ٤١٣)، شرح الكوكب المنير (٣/ ٤٧٥)، المحصول (١/ ٣١٨)، نهاية السول (١/ ٣١٣)، أصول السرخسي (١/ ٢٤٨)، تفسير النصوص (١/ ٥٩٥)، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٦٠)، أصول الأحكام ص ٢٦٢، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص ١٤٠.