الثلاث السابقة، فذهب الجمهور إلى الاحتجاج بمفهوم المخالفة عند القيد بشرط، أو صفة، أو عدد، أو غاية، أو حصر، ويكون مفهوم المخالفة حجة على ثبوت نقيض الحكم المنطوق للمفهوم عند عدم القيد، والنصُّ يدل بمنطوقه على حكم، وبمفهومه المخالف على نقيض الحكم الأول، واستدلوا بأن ذلك متبادر للأذهان، ويتفق مع المنطق البياني، وأساليب العربية، حتى لا يكون القيد عبثًا لا فائدة له، مع أن كلام الشرع منزه عن العبث.
وذهب الحنفية ومن معهم إلى عدم الاحتجاج بمفهوم المخالفة، واعتبروه من الاستدلالات الفاسدة، وأن النص الشرعي يدل على حكم المنطوق فقط، ويجب البحث عن حكم المسكوت عنه عند فقد القيد، بدليل أن دلالة المفهوم ليس مطردًا في أساليب اللغة، وورد مثله كثيرًا في الشرع فيما ذكره الجمهور في الشروط، مع اختلاف القائلين بمفهوم المخالفة في كثير من أمثلته، واحتمال الخطأ والغلط في استنباط المفهوم، وهو ممتنع شرعًا.
واستدل كل فريق بأدلة أخرى، ونكتفي بما سبق؛ لأنه يحقق المقصود، ومن أراد التوسع فليرجع إلى كتب الأصول والفقه (١).
[ملحق: دور القياس في تفسير النصوص]
إن النصوص سواء كانت شرعية أم قانونية لا يمكن أن تغطي جميع الصور والحالات والوقائع والأحداث، التي تقع في الحياة، كما أن التشريع لا يمكن أن يتناول الوقائع والأحداث التي تقع في المستقبل، ويتفتق عنها الذهن، ويخترعها التطور والعقل، سواء كان في المعاملات أو في المخالفات والجنايات أو في الضرائب وغيرها.
وإن النصوص -سواء كانت شرعية أم قانونية- إنما شرعت لتحقيق
(١) المراجع الأصولية السابقة في مفهوم المخالفة، وخاصة: شرح الكوكب المنير (٣/ ٤٨٧) وما بعدها، تفسير النصوص (١/ ٦٧٠) وما بعدها، إرشاد الفحول ص ١٨١ وما بعدها، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٦٧) وما بعدها، أصول الأحكام ص ٢٦٤، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية ص ١٧٤.