للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامسًا: حتى العاطفة:

إن "حتى" العاطفة هي للغاية، أي: للدلالة على أن ما بعدها غاية لما قبلها، ويتبع ما بعدها لما قبلها في الإعراب، ويكون المعطوف بها غاية لما قبلها في الزيادة التي تشمل القوة والتعظيم، أو في النقص الذي يشمل الضعف والتحقير، لأن معناها الغاية، مثل: مات الناسُ حتى الأنبياءُ، وقدِم الحُجَّاجُ حتى المشاةُ، ومثله الجارة نحو قوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)} [القدر: ٥]، فليلة القدر سلام إلى غاية طلوع الفجر.

وهي لمجرد العطف، فلا تفيد الترتيب كالواو عند الجمهور؛ نحو: حفظتُ القرآن حتى سورةَ البقرة، سواء كانت سورة البقرة أول ما حفظت أو متوسطًا أو آخرًا.

ويشترط في حتى العاطفة أن يكون المعطوف جزءًا من المعطوف عليه، نحو: قدم الحجاجُ حتى المشاة، أو كجزئه، نحو: أعجبني عليٌّ حتى حديثُهُ، فإن حديثه ليس بعضًا منه، ولكنه كالبعض، لأنه معنى من معانيه، ولا يحصل ذلك إلا بذكر الكل قبل الجزء، ولا يصح أن يقال: جاء الرجال حتى هند؛ لأن المعطوف ليس جزءًا من المعطوف عليه، ولا يقال: جاء القوم حتى الحمار، ولا جاء زيد حتى القوم، لسبق الجزء على الكل، ولا تقول: جاء زيد حتى عمرو، للمساواة بينهما، وكل ذلك يقع بعطف الواو.

وقد يكون المعطوف بحتى مباينًا لمتبوعه في الجنس، لكنه موافق له في المعنى، فتقدر بعضيته، كقول الشاعر:

ألقى الصَحِيفةَ كيْ يُخفِّفَ رَحْلَهُ ... والزادَ حتى نَعْلَهُ ألقاها (١)

فالمعنى ألقى ما يثقله حتى نعله.

كما يشترط في حتى العاطفة أن يكون الحكم مما ينقضي شيئًا فشيئًا حتى


= ص ١٠٥، شرح الكوكب المنير (١/ ٢٦٣)، رصف المباني ص ١٣١، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (١/ ٣٩٠)، أصول الأحكام ص ٣٣١.
(١) هذا البيت لأبي مروان النحوي يصف راكبًا جهدت راحلته فخاف أن تنقطع به، أو كان خائفًا من عدو يطلبه، فخفف رحله بإلقاء ما كان معه من كتاب وزاد ونعْل، =

<<  <  ج: ص:  >  >>