للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكونه مجتزيًا بنصوص إمامه، فهي عنده كنصوص الشارع، وقد اكتفى بها مِن كلفة التعب والمشقة، وقد كفاه الإمام استنباط الأحكام ومؤنة استخراجها من النصوص، وقد يرى إمامه ذكر حكمًا بدليله، فيكتفي هو بذلك الدليل من غير بحث عن معارض له".

"وهذا شأن كثير من أصحاب الوجوه والطرق والكتب المطولة والمختصرة، وهؤلاء لا يدَّعون الاجتهاد، ولا يقرون بالتقليد" (١).

"النوع الرابع: طائفة تفقهت في مذهب من انتسبت إليه، وحفظت فتاويه وفروعه، وأقرت على أنفسها بالتقليد المحض من جميع الوجوه، فإن ذكروا الكتاب والسنة يومًا في مسألة، فعلى وجه التبرك والفضيلة، لا على وجه الاحتجاج والعمل، وإذا رأوا أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وغيرهم من الصحابة رضي اللَّه عنهم قد أفتوا بفتيا، ووجدوا لإمامهم فتيا تخالفهم، أخذوا بفتيا إمامهم، وتركوا فتاوى الصحابة، قائلين: الإمام أعلم بذلك منا، ونحن قلّدناه، فلا نتعداه ولا نخطاه، بل هو أعلم بما ذهب إليه منا".

"ومن عدا هؤلاء فمتكلف متخلف، قد دنا بنفسه عن رتبة المشتغلين، وقصَّر عن درجة المحصلين، فهو مكذلك مع المكذلكين، وإن ساعد القدر واستقل بالجواب، قال: يجوز شرطه، ويصح شرطه، ويجوز ما لم يمنع منه مانع شرعي، ويرجع في ذلك إلى رأي الحاكم، ونحو ذلك من الأجوبة التي يستحسنها كل جاهل، ويستحي منها كل فاضل" (٢).

[مراتب العلماء اليوم]

إذا أردنا أن نطبق هذه الأسس على علماء الشريعة اليوم، فنستطيع أن


(١) انتقد ابن القيم رحمه اللَّه تعالى هذا القسم لبلوغهم درجة الاجتهاد، واستنباط الأحكام، وترجيح ما يشهد له النص، ثم يلزمون أنفسهم بمذهب إمام يعتبرونه أعلم من غيره، وأحق بالاتباع من سواه، وأن مذهبه هو الراجح، والصواب دائر معه.
(٢) أعلام الموقعين (٤/ ٢٧٠) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>