للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدعوة أم لا، لأن العقل يستقل في إدراك بعض أحكام اللَّه تعالى، وأهمها الإيمان به، وروي عن أبي حنيفة رحمه اللَّه أنه قال: لا عذر لأحد في الجهل بخالقه، لما يرى من دلائل وحدانيته (١).

٢ - إن الحكم العقلي بحسن الفعل أو قبحه لا يلزم منه أن تكون أحكام اللَّه تعالى في أفعال المكلفين حسب ما تدركه العقول فيها من حسن أو قبح، لأن الفعل قد يخطئ وحكم اللَّه لا يخطئ، ولأن بعض الأفعال قد تشتبه فيها العقول، ولذا فلا تلازم بين أحكام اللَّه تعالى وما تدركه العقول، وبالتالي فلا يعرف حكم اللَّه تعالى إلا بواسطة الرسل والكتب السماوية (٢).

[ثمرة الاختلاف]

١ - يظهر مما سبق أن جميع المسلمين متفقون على أن الحسن ما حسنه الشرع، وأن القبيح ما قبحه الشرع بعد البعثة ونزول الكتاب، فلا يترتب على الاختلاف السابق أثر بالنسبة للمكلفين الذين بلغتهم الدعوة، سواء آمنوا بها أم كفروا، فكل فعل أمر به الشارع فهو حسن ومطلوب فعله ويثاب فاعله، وكل فعل نهى عنه الشارع فهو قبيح، ومطلوب تركه ويعاقب فاعله، وإن الدراسة السابقة في موضوع الحاكم والاختلاف في الحسن والقبح دراسة تاريخية نظرية لا جدوى منها ولا طائل تحتها، ولا تترتب عليها الأحكام الشرعية إلا في الأمور التالية الأخرى.


(١) فواتح الرحموت: ١ ص ٢٨، ٤٨، تيسير التحرير: ٢ ص ١٥١، ونقل ابن عبد الشكور قول بعض الحنفية الآخر وهو أن الكافر الذي لم تبلغه الدعوة غير مكلف بالإيمان، ولا يؤاخذ في الآخرة بخلاف المعتزلة والإمامية.
(٢) فواتح الرحموت: ١ ص ٢٥، تيسير التحرير: ١ ص ١٥٣، وقارن ما نقله الشيخ محمد أبو زهرة عن الحنفية في كتاب أصول الفقه: ص ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>