اتفق العلماء على أن الخاص يدل على معناه الذي وضع له حقيقة دلالة قطعية، ويثبت الحكم للمدلول على سيبل القطع، ما لم يدل دليل على صرفه عن معناه وإرادة معنى آخر.
مثل لفظ عشرة في قوله تعالى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}[المائدة: ٨٩]، ولفظ ثلاثة في قوله تعالى:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ}[البقرة: ١٩٦]، يدل كل من العددين على معناه قطعًا، ولا يحتمل زيادة ولا نقصًا، لأن كلًّا منهما لفظ خاص، لا يمكن حمله على ما هو أقل أو أكثر، فدلالته على ذلك قطعية، ومثله لفظ أربعين في قوله - صلى الله عليه وسلم - في زكاة الغنم:"في كل أربعين شاةً شاةٌ"(١).
ومثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)} [البقرة: ٤٣]، فكل منهما أمر، والأمر من الخاص، فيدل قطعًا على وجوب الصلاة، ووجوب الزكاة؛ لأن الأمر يفيد الوجوب كلما سبق ما لم يرد دليل يصرفه عنه.
ومثل قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ}[الاسراء: ٣٣]، يدل على تحريم القتل قطعًا؛ لأن صيغة النهي من الخاص، والنهي يفيد التحريم ما لم يرد ما يدل على خلافه، كما سبق.
وكذلك إذا ورد النص مطلقًا فإنه يفيد ثبوت الحكم على الإطلاق قطعًا ما لم يوجد دليل يقيده، وإن ورد النص مقيدًا فإنه يفيد تقييد الحكم قطعًا ما لم يوجد دليل على خلافه، كما سبق.
واتخذ بعض الفقهاء من دلالة الخاص القطعية سندًا لتأييد آرائهم في بعض المسائل الخلافية، كلفظ الثلاثة في قوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨]، على أن القرء هو الحيض، (عند الحنفية والحنابلة) لتتحقق الثلاثة قطعًا، فإن اعتبر القرء طهرًا (كما هو عند المالكية والشافعية) كانت العدة أقل من ثلاثة، أو أكثر من ثلاثة، وغير ذلك من
(١) هذا جزء من حديث طويل رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما في كتاب الصدقة.